ما بين امرأتين.. رواية أليسار عمران

(1)

بدأ نزارٌ يتأخّر في عودتهِ إلى منزلهِ الدّافىء الصّغير الذي يشبعه عاطفةً وكرماً يحتضنُ ابنته المتفوقةُ الجميلةُ شهد وتنام سيلينا الصغيرة في أحضانهِ قبل أن ينقلها إلى سريرها لقد أنجبتْ رنا طفلها علي فهي تخافُ أن تكبرَ بالعمرِ قبل أن تنجبُ له وريثهُ الوحيدَ فالرجلُ الشرقي يشتاقُ لمن يحملُ اسمهُ

إنّها الواحدةُ ليلاً ، ليست عادتهُ ،لكن لدى رنا أشغالٌ كثيرة في الغد عليها أن تستيقظ باكراً وترسلُ طفلتيها إلى المدرسة وعليها أن تهتم بصحة حماتها السيدة العجوز المريضة
دخلت غرفتها تغطتْ ونامت دونما قلقٍ أو خوفٍ

في مركز البريد بمدينة جبلة تعجّ الأقسام بالمراجعينَ وهناك سيّدةٌ جميلة توظفت في القسم إلى جانب نزارٍ وهي أرملةٌ لشهيدٍ لديها صبيٌّ وحيد ومنزلٌ باسمها إنّها تهتمّ بمظرها وتضحكُ وتغضبُ تهدأُ تارةً ثمّ تثورُ فجأةً وبعدها تستسلم للنكاتِ والضحكِ وسط الجميع ناشرة الطاقة الإيجابية ،الجميعُ يراقبها بشغفٍ

لقد خلفت الحربُ آلافَ الأراملِ في سورية ،إنّ هولَ صدمةِ الفقدان،ونظراتُ الطمع للأرملةِ وإهاناتها المتكررة المؤذيةِ من الناسِ الجاهلين،خوف الصديقاتِ المتزوجاتِ من الحديثِ معها،جعلَ الكثيرات منهنّ مصاباتٍ بالفصامِ ،وأكسبهنّ سلوكاً عدائياً تجاه الأسرِ المستقرةِ

أيما امرأةٍ على هذه الأرضِ بإمكانها أن تكملَ حين تشعر بعظمة وجودها في العالمِ ،حينما لايتنمرُ عليها المجتمعُ لتتحولَ إلى قنبلةٍ متفجرةٍ تتشظى في وجوهِ النساءِ محاولةً عقابهنّ لسببٍ أودونَ سببٍ

كانت رنا وحيدة لأهلها ، وكم سعد أهلها بالشيخ نزار الذي يعرف الله وسينصفُ ابنتهم فهي فتاةٌ مدللةٌ وأنيقةٌ ورزينةٌ، والشيخ نزار لديه تلاميذ يعلمهم أصول قواعد الدّين والحياة لقد فتحَ منزله لاستقبال أخوته الضباط وزوجاتهم وأولادهم فهو أصغرهم وهم من ساعدوه ليحصلَ على وظيفةٍ بقسم البريد وبحكم سكنهم في العاصمة دمشق كان طوافّ الجميعُ إلى منزله وخصوصاً في فصل الصيفِ ولقد فازت رنا بحبّ الجميع فهي لطيفة مع صغارهم
تمشط شعور البنات وتحبك لهم أجمل الجدايل وتجدها تغسلُ وجوههم وأيديهم بعد تناول الشوكولا في حين أمهاتهن يجلسنَ كسيداتِ مجتمع راقي فهي نساء الضباط سيدات المجتمع المخملي

عاداتٌ جديدة لنزار،سهره خارج المنزل، ولكن رنا لم تكن تتصل مرة بنزار لتسأله عن سبب هذا التأخير فهي تثقُ به ثقةً عمياء منذ عشرين عام وهي تغفو كطفلةٍ صغيرةٍ على ذراعهِ اليسرى وكأن الله غمرها بالطمأنينة والسلامِ
أما شهد وسيلينا فقد ملأت ملامحهنّ الشكوك والتوجسُ لقد بدأت عواطف أبيهم تقلّ نحوهم مما جعلن يدخلن في ارتباكٍ وجمودٍ
إنّ الأطفالَ يسمعونَ أصواتَ الزلازل التي تخصّ الأسرة قبل أهاليهم

جاءت الجارة في الحيّ الذي تسكنُ فيه وقالت لها بصراحة سمعنا أن زوجك مرتبط بموظفة في قسم البريد احذري منها يارنا اسمها رنيم لقد رأوهما معاً بالسيارة ،اسمعي سمعتها سيئة،لقد حاولت مراتٍ عديدةً أن تتزوجَ برجلٍ متزوجٍ وانخطبت مرتين وفسخت خطبتها،إنها شيطانة،نفخت شفتها السفلى،وملأت خدودها لتبدو أصغر سناً وتقومُ بصيدِ الرجالِ

بدأت رنا بالضحك من هذا الهرج وقالت :نزار!!!؟
والله لو رأيته بأمّ عيني لن أصدق وشايات النساء احتفظي بها لك وحدك..

ولكنّ نزار صار بالفعل يتأخر هذه المرة حتى الرابعة فجراً مما جعل شرارة الشكّ تخترقُ صدر رنا في محاولةٍ للكشفِ عن سرّ غياباته المتكررة خلف حائط السهر.

(2)

جلسَ خالد مع رنا بعد أن غادرت والدته إلى القرية ،الطقسُ مشمسٌ وهي تذاكرُ حقولها حولها المنزل الريفيّ الطويلِ الذي جمعت به ذكريات أولادها الذين تفرّقوا ،وصوت زوجها الذي اختطفه الموتُ فغابَ الرّفيقُ،إنّها لاتتذكّرُ سواهُ وتقولُ للجيرانِ لقد غابَ قمري وأحضاني ورأفةُ الفصولِ ،غابَ الحنانُ والكبرياء والرجل الذي أتربعُ على عرشهِ كملكة، نعم القولُ ماتقوله وليدة
فهو يثقُ برجاحة عقلها ونبل أخلاقها، حتى أنهم كانوا يسخرون منه في القرية قائلين زوجة وليدة المطيعُ،يخفضُ صوته في حضرتها وينحني لهامتها ويقبلها،يداومُ على صلاتهِ وصيامهِ،ولايتدخلُ بالآخرينِ ولايحشرُ أنفه كأهل القريةِ بما لايعنيهِ ،لكنه كان يرافقُ حميدة لزيارة المرضى وأصحاب العملياتِ الجراحيةِ في القرية

بدأ نزار كلامهُ مع رنا مطرقاً رأسه كمن يعلنُ عن سقوطِ عزاءِ المطر
اسمعي سأخبرك شيئاً مهماً يارنا يبدو بأني بدأت أغرمتُ برنيمٍ إنني أصغي إليها وأتعاطفُ معها ،لستُ أدري كيفَ حدثَ هذا ولكن عليكِ أن تساعديني لكي لا أغرقَ بها أبداً ،افعلي أيّ شيءٍ لكي تمنعينَ زواجنا أنا لستُ بخيرٍ إنني كمن ركبَ موجةً ليسَ يدري على أيّ ميناءٍ ستلقيه،سيجدُ وطناً أومنفى أوسيقعُ في الهاويه منتحراً إلى الأبد لقد تغلغلت في جوارحي كالمرض أحاول جاهداً أن أتعافى أرجوك افعلي أيّ شيءٍ

بدت رنا مذهولةً مرتبكةً ومتعاطفةً معه بنفس الوقتِ فهي تحبه كثيراً وستهديه موتها لوكان سيسعدُ بهذا
نهضتْ حضّرت طعام العشاء،وأشرفت على واجباتِ الصّغار المدرسيّةِ،وحاولت أن تداعبَ صغيرها علي،في حين تقدمت شهد وسيلينا إلى حضنِ أبيهم الذي بدأ يفقدُ توهجّهُ عمّا قبل
إن العواطف المباغتة التي تشتعلُ بالرجالِ تحت تأثيرِ امرأةٍ أخرى قادرةٌ على نهب حنانهِ تدريجياً دفعةً واحدة،كلّ قصصِ الزّواجِ معرّضةٌ للانهيارِ تحتِ وقعِ الرّوتينِ والتعوّدِ،لا أحدَ يفكّرُ بالتراكماتِ التي توصلُ الأزواج إلى حالاتِ الخيانةِ،ولطالما تحضرُ التّهمُ الجاهزة للتبرير لزواجٍ آخرَ تحتَ تأثيرِ لحنِ الكلماتِ اللطيفةِ التي اشتاقَ الطرفانِ لسماعها
تحت وطأةِ الالتزامِ التي تحولُ البشر إلى مكناتٍ تصدأ مفاصلَ روحها وتتداعى، ربّما على المرء أن ينظرَ جيّداً إلى أعماقهِ ويحاولُ فهمَ نفسهِ ،ويحاولُ التماسَ سلوكه الخاطىء،يقولونَ إن الرّجالَ تتبدّلُ حين يتغير مركزها الاجتماعي أوحين يداهمهم الثراءُ ويكسبونَ دخلاً مضاعفاً ،ولأن العربَ مفطورون على سدّ جوعهم العاطفي بالببرونةِ الاصطناعيةِ وبشراءِ الألعابِ تراهم يفتشونَ حين تعلو شؤونهم الاجتماعية والمادية إلى مصدرٍ جديدٍ للمتعةِ،تفاجأتْ المذيعة من رجلٍ ثمانينيّ ربحَ الجائزة الكبري حين سألتهُ ماذا ستفعل بالجائزة الكبرى !
فأجابها سأتزوّجُ،إنّ الأهلَ بأسلوبٍ للحصولِ على راحتهم يحاولون سدّ احتياجِ الطفلِ العاطفيّ والوجداني بالطعامِ والشرابِ فترى كثرة الجلطاتِ وعملياتِ القلبِ المفتوحِ في سنٍّ مبكرة
جيوشاً من الأطباءِ والمهندسين والشعراءِ والعظماء حتى هتلر حرموا من ممارسةِ مواهبهم وفنونهم التي تجعلُ عمقهم قوياً يتحدى أعتى زلازل الصدماتِ ويخلقونَ أنفسهم بتجددهم وباستمرارِ الارتقاءِ بأنفسهم بعيداً عن العادات والتقاليد التي تقيّمُ الانسان من حيثُ توصيفهِ الوظيفيّ أوالاجتماعيّ
فالسعادة تنبعُ من جنسِ الأفكار التي تشكل عقداً من الأمنيات المحققةِ التي لايتوقفُ عندها أصحابها لقد اعترفَ العبقريّ بليغ حمدي بأنه لايقيمُ وزناً للحنٍ بعد تأليفه،قد يفرح حين ولادته وينساهُ ليبدأ بخلقِ لحنٍ آخر جديدٍ

أن تستمرّ عليكَ أنْ أن تقلم نفسكَ وتضيف لنفسكَ إنجازاتٍ جديدة فالحياةُ هي الإنجاز

(3)

الزّواجُ الصالحُ يحتاجُ طرفاً صالحاً وحيداً فقط،والأخطاءُ لاتقعُ عادةً من طرفٍ واحدٍ بل من الطرفينِ ،وقد تكونُ شدة الالتزامِ بالواجباتِ أحد الأخطاءِ،لابدّ من ضرب حجرةٍ في الركودِ الممتدّ بين الأيامِ ولا ضيرَ أن يرتاحَ كلّ طرفٍ من همومِ الحياة المتراكمة
الغيابُ المؤقتُ المدروسُ لأحد الزوجينِ يجعلُ كلاهما يدرسُ وضعه بعيداً عن الآخر فيحاولُ قدر الإمكان ألا يقع بالخطأ

لم يعد هناكَ حديثٌ في المنزلِ إلا رنيم ،المسكينةُ التي ترمّلت وتعاندُ الحياةَ وحيدةً وجمالها الرائع، لم تفهم رنا شيئاً من تلكَ الأحاديثِ المنكرة، إنها سيدةٌ لطيفةٌ بيضاء،بشعرٍ أشقرٍ وقامةٍ قصيرةٍ تقومُ بكلّ واجباتها بالطبخِ والغسلِ والكنسِ ،تستقبلُ ضيوفه وتطوفُ حولهم كما لو أنهم القداس الذي يخصّ نزار
حين تمتلىء امرأة بالمحبة فهي قادرةٌ على أن تكونَ أماً للبشريّةِ كلها

أصبحَ نزارُ يغيبُ عن المنزلِ ،لقد اعتقدت أنها نزوةٌ عابرة ألّمت بهِ فهو شيخٌ له سمعته التي لايمكنه أن يفرطَ بها،بدأت تسهرُ لوقتٍ متأخرٍ تنتظرُ عودته ،ليسَ خوفاً عليه بل لأنها شعرت أنّ سمعتهُ وسمعتها صارت تتفشى كالمسلسلاتِ الدرامية على ألسنةِ البشر والجيرانِ والأقاربِ وأهلُ قريتهِ وقريتها، وحين حضر ذات مرة متأخراً لم تعاتبهُ بل قالت سأمنحهُ حريته هذه المرّة

حسناً نزار والله لستُ أدري ماهو الحبّ ،كنتُ أعتقدُ أن الحبّ هو يدي ويدك نشقى معاً نبني منزلنا حجرةً حجرةً نؤسس عملاً جيداً معاً،وأشرفُ معكَ على متابعتهِ كما فعلنا في محلّ الألبسةِ الولاديةِ،كنتُ أعتقدُ أنّ الحبّ أن أشرف على تربية الأولادِ تربيةً جيدةً ولكن أرى قلبك يميلُ لعالمِ شغوفٍ لم أدخل في متاهاته

تزوّج ممن تحبّ يانزار ولكن سأشترطُ أن تنامَ معنا يوماً واحداً في الأسبوعِ لا أريدُ أن تهجر الأطفال الذين عمرناهم بالحنان والمحبة والاحتواءِ لا أريدُ لسقفِ منزلنا أن يتداعى ويسقطُ
حسنا ولا أرضى لك الزّنا تزوجْ على سنة الله ورسوله

قالتْ كلماتها تلكَ بعد أن حفظها الممّرض في قسمِ وحفظ اسمها ،وشكلها الأشعة الممزّق المتعب ا ،حين كان يعطيها حقنة المهدىء العصبي لتغفو، يصرخ بالطاقمِ الاسعافيّ
مهدىء ياشباب مهدى على السريع وصلت رنا
في حين كان نزارٌ يواصلُ سهراتهِ بالرقصِ والغناءِ والطربِ مع رنا
في شقتها حتى بزوغ الفجر

حين تحدثَ عن رنيمٍ لأخوتهُ ،كان وجهه يلتهبُ بحمرةٍ لازورديةٍ،ثمة فرحٌ مجنونٌ في قزحيتهِ،كمن أخذ جرعةً من المخدّراتٍ يصرخُ كالمجانين، أحبّها ،أحبّها،سأتزوجها،الشرعُ حللَ أربعة وأنا رأيتُ الحبّ في قبلاتها،في أحضانها،إنها امرأةٌ تشتعلُ بالأنوثةِ ،تخاصمني وتقبلني لأرضى،تطبخ لي أطيب وألذّ وجباتِ الطّعامِ ولاتريدُ مفارقتي، تباً لزوجتي الباردة التي لاتشتاقُ لستُ أدري من قالَ أنّ الزواج لانجاب الأطفال مع امرأة مطيعةٍ وصبورةٍ تباً لمن شرعَ هكذا زواج، اسمعوا لا أحبّ رنا لقد كسرت
ذراعيّ اليسرى عشرين سنةٍ وهي تلتحفُ ذراعي لتغفو،تعبتُ،إنّها لا تشتاقُ لي،لا تقلقُ عليّ،باردة لا أحبّها بربكم قولوا لها أن تعشقَ وتتزوج والله أتمنى أن تكون سعيدةً بدوني، كما أنا الآن أحيا سعيداً بدونها

حين تزوجَ نزار من رنيمٍ ،سقطتْ رنا مغشياً عليها،عشقُ الرجالِ واردٌ ومعقولٌ بالنسبةِ للمرأةِ ،أما الزواج فهو إعلانُ نفيِ أنوثتها بالمطلقِ ،لقد دوى خبر زواجه المعمورة، يحتضنُ ابنهُ الجديد معن ابن رنيم،يحدثهم عن الرسول الكريم الذي تزوج الأرامل رفقاً يأطفالهنّ،لقد أحبّه معن كثيراً ،اشترى له نزار الثيابَ الجميلة وأخذه إلى الحديقةِ كأيّ أبٍ مثاليٍّ ،لكنه لم يعد يكترث لزوجتهِ وأطفالهِ ،لقد دخلَ عالماً وردياً فمفارشُ الأسرةِ في غرفةِ النومِ يكسوها اللونُ الأحمر وستائرها حمراء،الكلوبّات زرقاء وميضٌ ساحرٌ كأنه الجنةُ،زوجةٌ تشتاقُ إليهِ، مغريةٌ تشتعلُ بالشّبقِ وتغارُ تغارُ عليهِ من ثيابهِ ومن ساعةِ يدهِ،تشتعلُ سهراتهم بالخمرِ والمجونِ العاشقِ
أحضاناً وقبلاتٍ لا تنضبُ أخيراً يشعرُ أنّه مع حوريته بالجنة بعيداً عن هذا العالم الذي يجلدهُ لأنه يشعر للمرة الأولى في حياته

لطالما فشلت رنا بالحصولِ على زوجٍ تكملُ حياتها معه بداية رفضت فكرة الزواجِ منه لأنه متزوجٌ ولديهِ أسرة،ولطالما همست بإذنه ابتعد عني يانزار لستُ حملَ نظراتكَ ومغازلتكَ لقد تسببتُ بالكثيرِ من المشاكلِ لكلّ من حاولَ أن يتزوج بي ، النساءُ هنا ترفضُ فكرة الزّواجِ بامرأتين، حين زارت رنيم رنا أخبرتها كم تحبّ نزار وأنها لوتزوجت به لن تنفرد به ،يكفيها أن يكونَ زوجاً لها على سنة الله ورسوله لاتريد أكثر من ذلك واستطاعت إقناع رنا وتمّ الزّواجُ،لطالما حدثت رنا نفسها ،أيّما امرأة غير قادرةٍ على منع زوجها من الزواجِ حين يقرر فليكن القبول كنوعٍ من الهزائمِ التي تمنحها عنفواناً وكرامة، لقد أعلنَ بكلّ صدقٍ أنه لا يحبها،ولن تتسول عاطفة أحدٍ فهي فتاةٌ مدللةٌ مترفةٌ لاينقصها،سوى أن تكملَ طريقها لتبني له مملكةً واثقةً وعظيمةً على حسب تربيتها، قد يكونُ التدينُ أحيانا لاخفاءِ عقد النقصِ التي يحملها بعضُ الرجالُ في جيناتهم ربما بمحاولةٍ منهم لصدّ نفسهم عن ارتكابِ المعصيةِ بسببِ الخوفِ من الفضائحِ ،فكلمة رجلُ دينٍ لايحملُ إرثاً اجتماعياً خلاقاً ،ومطالعاتٍ كثيرةٍ لكل الأديان وعمقاً معرفياً خصباً ومحاوراً لبقاً لم تعد تجدي في هذا الزمانِ الذي يلبسُ فيهِ الجاهلُ عمامةً ليخطبَ بالحاضرينَ.

(4)

تفضل المرأةُ أن تفصلها عمن تحبّه بلاداً بعيدة وترفضُ أن تفصله عنها امرأةٌ واحدة كائنةً من تكون ،حسناً رنيم سأذهبُ لزيارةِ رنا والأولادُ ما إن نطقَ تلك العبارة حتى استشاطت غيظاً وغضباً كالبركانِ المحموم
هيّأ قلْ أنّك تشتاقُ لها يبدو أن الفراشَ معها دافىءٌ وهنيٌّ لايشبهُ ليلنا الذي تدعيهِ أمامي لن تذهبَ إليهم ،وإن خطوتَ خطوةً واحدةً سأتركُ المنزلُ
فتحَ باب المدخل ومضى إلى منزله ،منشداً ولو بعضِ العدلِ ،فاللهُ سبحانهُ وتعالى أمر الرّجالَ بأن يعدلوا، كانتْ رنا حين وصلَ باهتةً صفراءَ اللونِ لقد فارقَ وجهها نضارتهُ وبدت كما لوأنها هرمتْ بينَ ليلةٍ وضحاها

أما سيلينا ففتحتْ ذراعيها لوالدها وعانقتهُ كالعصفورةُ الدافئةِ وبللتْ معطفه بالدموع قائلةً أشتاقُ إليكَ يا أبي ولكنها كما لوأنّ صوتها يهبطُ إلى سمعهِ من مكانٍ شاهقٍ وبعيدٍ،التصقَ علي بأبيهِ وبدأ يشدّ خده على خدّ أبيهِ ،يقبضُ على منكبيهِ كمن يتشبّثُ بجبلٍ على قمتّهِ وامتدت لهُ آخر يدٍ لتحميهِ من السّقوطِ
أما شهد الفتاة الذكيّة المثابرة بادرتهُ سلاماً بارداً وأشاحت بوجهها عنهُ متابعةً دراستها فهي تحلمُ بأن تدرسَ الطبّ البشري
وطالما كان والدها صديقها المصغي والفخور بها

كانَ الجوّ صامتٌ ،صورُ الموتى تملأُ الجدرانِ،الماضي الذي خرّ ساقطاً على عرشهِ ،تبدو صورة عرسهم باهتةً بلا لونٍ،لاتعني له تلكَ الذكرياتُ شيئاً
لقد نام هذه الليلة إلى جوار رنا كمن يغفو إلى جانبِ جثة ميتةٍ
واعتقد أنّ عليهِ أن يعطيها حقوقها الزوجية كاملةً،بدأ في قمةِ اشتعالهِ وبدت كالرمادِ

أتعرفينَ يارنا !مازلتِ باردةً كما أنتِ ،هل من الممكنِ أنّك امرأةٌ لاتتغيّر!؟هذا أنا يانزار منذ زواجنا ولم تكن هناك أيّ مشكلة والحقيقة أنّك تقبلتني ورضيت بي وغطت في نومٍ عميقٍ

حين عاد إلى منزلهِ الثاني كانتْ زوجتهُ قد تركت المنزلَ إلى عند أهلها،مازالت رائحة الحبّ والشّوقِ تملأُ منزلهُ،الزّهورُ صورهما ،غنجها،دلالها،ثيابها الوثيرة،أقلامُ حمرتها، ماركاتُ العطورِ
بدأَ بمسحِ الغبارِ وتنظيف المنزلِ والشّرفاتِ ،وحضّر العشاء والشموعَ وكأسينِ من النّبيذِ فرنيم لم تقبّلهُ مرةً واحدةً إلا بعد أن تشربَ كأسينِ من النّبيذِ ،إنّه يولدُ من بين أصابعها كطفلٍ صغيرٍ يحبو يتأتىءُ يحاولُ أن يرضيها بكافةِ الوسائل

الشيخ نزار الذي مضى عمره كاملاً لم يشربْ كأسَ الماءِ لوحده
ولم يحدثْ أن قام بتنظيفِ المنزل لأجل أن تكونَ رنا سعيدة
صالحها وأعادها إلى حيثُ تنبلجُ أسرارها التي تضفي إلى الزواجِ نكهةً مجنونةٌ تدخلهُ في دهاليزها السريّةِ ليغرقَ في بحرٍ مالهُ قرارٌ تعدّ لهُ ما استطاعت من الاغواءِ وتفرشُ ساديتها وحميميتها على اشتعالِ جمرهِ

يحدثهُ الأصدقاء ..كيف الزّواجُ يابطل !؟
يالكَ من رجلٍ عفا ربك لقد فعلتها أيها الجبّار، اللكّ يتابعه سرّاً ليرى عواقب الزواجِ الثاني، عله يدخلُ التجربةَ مستطعماً لعسلِ التجديدِ عله ينال زوجةً شبقةً تحترفُ الغوايةَ كزوجتهِ

يل أخي لم تتزوج! سألوه،صاحبها وادفع لها المال وخذ منها ماتشاءُ ،ولكن دون أن تهدمَ أسرتك ،يتساءلُ نزارٌ في هذا المجتمع
يبدو الرّجالُ أبطالاً حين يوقعونَ النساءَ بغرامهم،ويجرّونهنّ إلى سيّاراتهنّ لقضاءِ أشواقهم دون أن تنهدم بيوتهم، أنا أرغبُ بها وأريدُها باسم الشرع زوجتي وسأرزق منها بطفلٍ أو طفلينِ على الأقلّ مالذي يضرّ العالم إن طبّقتُ شرع الله،ثن لدي بنتين،لم أمنع ابنتي أن تعشقَ متزوجاً.

(5)

لم أمنعها لأنّ الرّجالَ المتزّوجونَ يحبّون ،ويصافونَ شريكتهم المثلى لكنهم تحت مسمى البطل يستدرجون النساءَ لقضاءِ حوائجهم وجوعهم العاطفيّ

لستُ أدري كيف يمنحُ بعضُ الرّجالِ أنفسهم الحقّ تحت اسم الحبّ أن يواقعوا امرأةً ،في حينِ يتكفلُ الزّوجُ بعلاجِ أمراضها وتقديمِ خدماتِ الأسرة، وتقديمِ الرّعايةِ لها،ولستُ أفهمُ كيفَ تواعدُ امرأةً متزوّجةً رجلاً آخرَ لتلبي رغباتهُ تحت مسمى الحبّ
كمن ندرَت حصّتهُ من الطّعامِ فسرقَ برّاد جارهِ ليملأ تخمتهُ
كل مافي الأمرِ أنّ الشيخ نزار لايريدُ أن يبصقَ على نفسهِ كما يبصقُ الأبطالُ على صورتهم في المرآةِ

في القرية كانَ الناسُ يلمحونَ طيفَ رنا تغطي نفسها بجلبابٍ أبيضَ تدخل مقام أحد القديسينِ وتمتمُ وترتلي وتصلي علّ الله يوجهها إلى ما في هذا العالمِ من خيرٍ،تحتاجُ قوةً كبيرةً لتكمل
مشوارها ،إنّ منظرها المثير للشفقةِ كانَ أكثر مايؤرّقُ كيانها
إنّها حينَ تسيرُ في الشّوارعِ تتبعُ عيونُ الناظرينَ خيالها الموهنُ يشيرونَ إليها بأصابعهم ،يأسفونَ على عقدها المنفرطِ لذتبٍ لم تقترفه،حتى الأقارب من زوجها انفلتوا يقطعونها بألسنتهم،هي امرأةٌ باردةٌ ،لكنتها ثقيلةٌ والشّيخُ محقٌّ باستبدالها وتجديدِ شبابه
المجتمعُ الجبانُ الذي يدينُ المرأةَ بوصفها ليست رجلاً،ويطبّلُ باسمِ الشّرع

لقد اشتاق الأولادُ لوالدهم فقررت رنا أن تأخذهم لزيارتهِ،رتبتْ نفسها،ووضعت بعضَ مساحيق التجميلِ وطرقت باب منزله
لقد كانت دهشةُ نزارٍ عظيمةٍ،مرحباً نزار قالت لقد اشتاقَ لك الأولادُ فأتيتُ فأنت والدهم ولهم عليكَ حق

أهلا رنا تفضّلي قالت رنيم بعد أن اعتزّت بنفسها،وأسرعت إلى المطبخ تهمّ بتحضير الضيافة ،شزراً تنظرُ شهد لخالتها،تبرمُ رأسها
ثمّ تسألُ والدها بربكَ قل لي كيف استبدلت قديستي بتلكَ العاهرة! وبثانيةٍ يصفعها على خدّها فينسكبُ الدّمُ من أنفها،
تغضبُ رنا وتحاولُ رنيم امتصاص الموقفِ وتحاولُ احتضانها
لكن شهد تبعدها بقرفِ وازدراءِ

كيف تسمحين لنفسك بأن تتزوجي رجلاً متزوجاً ،لوكانَ لديكِ ذرّةُ اخلاقٍ واحدة لانتحرتِ
من يفهم أن تلكَ الطفلة حبيبةُ أبيها تغارُ وتحترقُ على البطل العظيمِ الذي أمسك يدها ورافقها إلى المدرسة، وقبلها حين أخذت علامةً تامّةً وحملها بين ذراعيهِ،ويومَ أخيرتهُ عن صديقها المقرّب الذي ستلتقيهِ رافقها وانتظرها لتكمل حديثها معه وهو يخافُ عليها من نسمةِ الهواء أن تلمسَ شعرها ،كيف يريدها أن تحرقَ لوحةً حسبتها أغريقيةً،لطالما حلمت بأن تكونَ مخطوبةً لرجلٍ يشبهُ والدها،كيف تخبرهُ دماؤها أن ينزفُ من ذاكرتها وأنها كرهت الرّجال

أما علي يلتصقُ بمعطفِ أبيهِ يشدّ خدّهُ على خدّه بمحاولةٍ لنبشهِ من براثنِ شيطانةٍ لاتشعر أصبح يختبىء حين يلمحُ طيف امرأة يشعرُ أنّ تلكَ الأخرى ستخطفُ والده منه يبدأ بالصراخ مؤشراً لها ابتعدي ابتعدي

كانت الزيارةُ كمشادّةٍ واحتمالُ جوٍّ لايطاقُ لكنها انتهت بعد أن رافق نزار شهد وأصغى إليها وحاول أن يطلب منها أن تضبط انفعالها وغضبها فهو متزوجٌ لأنه يحب خالتها مع العلمِ أنه لايكره والدتها.

(6)

بعدما شربا النبيذَ معاً وبدأ يداعبُ خصلات شعرها وشفتيها انتفضت رنيم فجأةً ثم قالتْ من أنا!!؟هل تعرفني!مع أيّ امرأةٍ منا خيالكَ أيّ خيالٍ تستعيرهُ لتضاجعني هيا اعترفْ أيها الرجل الخائنُ إنّ من يخونُ مرة واحدةً سيظلّ خائناً إلى الأبدِ لقد وضعتُ عليكَ مراقبينِ يقولونَ أنكَ كنتَ برفقةِ امرأةٍ وأولادها البارحة عصراً توجهت إلى الشاطىء وجلست معهم في منزلٍ قريبٍ من الشاليه الذي اشتريتهُ

إنّها أختي أيتها المجنونة أختي زوجة الشهيد ولقد أخبرتكِ أني أرعى أطفالها وهم يحبونني كوالدهم

اخرسْ أيها الخائن القذر يبدو أن فكرة احتضانِ أبناءِ الأراملِ للحصولِ على مؤخرات أمهاتهم أغرتكَ اذهب ونم وحدكَ تحتاجُ تأديباً أيها الغبي
لقد صفعها للمرةِ الأولى فبادلتهُ الصفعةُ صفعاتٍ ،ضربها بالحذاءِ فأفرغتْ خزانةَ الأحذيةِ على رأسهِ دخلت المطبخ وأكملت كسر الكؤوس فأكمل كسر الصحونِ وهرعَ إلى شاطيء البحرِ يراجعُ قصتهُ ويتأملُ سبل السيطرة على مسارها

في اليومِ التالي أحضرت شهد علي وتركتهُ في منزلِ والدها قائلةً لديّ امتحان وسيلينا لديها دروس خاصة وماما عند أهلها
اعتني به أريد أن أركز على درسي

لقد حاولت رنيم الاهتمام بالصغير لمدة أسبوع ثمّ بدأت تطلقُ صيحاتِ غضبها هل تزوجتكَ أيها الغبي لأقوم بتنظيف مؤخرة طفلك من الحفوضاتِ و أستمتعُ بتلكَ الروائح وأحتملُ نفوره مني والتصاقه بياقةِ قميصكَ أبعده عني إنه يلتصق بك وأنا أحتاج أن ألتصقَ بكَ لا أطيقه ولا أريدُ أن أراه
بينما حاول ما أمكن أن يحتضن ولدها واخفضَ صوت غيرتهِ منه
الأزواجُ يغارون على زوجاتهم من أبنائهم الذكور والنساءُ تغارُ من بناتها على أزوجاهنّ ،يشتهي الرجلُ لوكان طفلَ امرأتهِ وتشتهي النساءُ لوكنّ طفلاتِ أزواجهن

لقد غرقَ الشّيخُ في معضّلته ،فغيرتها تستعرُ ولم يعد يروي شبقهُ وليلاتهُ من جسدها المثير، ولايشتاقُ لرنا، مازال تحت تأثير التخدير محتاراً وعيونهُ ملآنةٌ بالغبطةِ لدرجةِ صارَ يظنّ نفسهُ أنّه ذاكَ الغبيُّ السعيدُ الذي فارقهُ شعوره، لقد تذكر سنوات احتمالهِ للضيوفِ ،السرير الصغير الذي كان يضطر أن ينشر فيه هو ورنا لكي يأخذ الضيفُ راحته ولكي تنام والدته بهدوءٍ،فبرّ الوالدينِ واجبٌ مقدّسٌ

تلبسُ رنيم أجمل التفاريع التي تبرز مفاتنها كي تشعلَ مفاتيحَ إثارتهِ ،تتنقلُ كغزالةٍ وتبدأ الدلال والطلبات
حبيبي إنهم يقولون أمك لاتحبني أحضر لي عقداً من الذهب أريدهم أن يخرسوا جميعاً في مركز البريد وكل المدينة أريدهم أن يموتوا عيظاً

لقد باع نزار سيارتهُ مصدر دخله كي يلبي طلبات رنيم،تلصقُ خده بخدها وتقول نزار حبيبي تعال نلتقط السيلفي لتضعها صورة شخصيةً لبروفايلك، هيا هيا احضن معن أريدهم أن يعرفوا أنك والده أنزل الصور حبييي واتبعني إلى ليلةٍ قمرية تنسى بها هذا العالم كلهُ

كان وقعُ الصور على شهدٍ كالصاعقة ،طوال عمرها لم تنطقُ بكلمةٍ بذيئةٍ واحدةٍ ولكنها تصدعت وهي تقول لأمها انظري إلى تلك العاهرة سألقنها درساً مريراً تمسكُ هاتفها وتكتبُ تعليقاً على فيسبوك أيها العاهرون ليتكم تنتحرون لم يقرأ نزار ورنيم تعليق شهد إلا بعد أن حاز التعليقُ على ألفُ أحببته،وألف أضحكني كيف سيضعُ عليهِ أغضبني ليحصد ألفين أضحكني أخرى
لقد قام بحظر عائلتهِ كلها عن تطبيقِ فيسبوك ،استشاطت رنا غضباً من فعلتهِ وأقسمت أنّها ستلقنّه درساً لن ينساهُ لقد بدا وجهه كالشيطانِ الفاجرِ فإن كانَ لايراعي مشاعرها فليحتفظ ببعضِةالاحترامِ لابنتهِ ستصبحُ صبيةً مكتملةً بعد سنتين كيفَ يعتقد للحظةٍ واحدةً أنه لايجرحُ شعورها!؟
إنه مستعدّ أن يركبَ قروناً ناطحةً للسحابِ مقابل ليلةٍ قمرية
يبدو الشيخُ الجليلُ القدر كمن مسه الشيطان

(7)

تطرقُ شهد منزل أبيها تحتضنُ صغارها أخوتها بعد أن تركتهم أمهم،تدخلُ تحضنُ سيلينا والدها بكلّ حنانٍ وتحتضنُ خالتها بكلّ حنانٍ كعصفورةٍ لجأتْ إلى كهفٍ تستنجدُ الرّحمةَ ويبدأ علي بشدّ ياقةِ أبيهِ يكمشُ منكبيه كأنه سيسقطُ من علوّ شاهقٍ بدون رحمة ويبدأ بالصراخ حين يرى وجه رنيم،يشير بأصابعه الصغيرة،ابتعدي ويبكي،يلصقُ خده بخدّ أبيهِ

أحدٌ ما لم يدرك حجم مشاعريّة الأطفال تجاه الوجوهِ،إنهم يلتصقون بالرّحمانيين من البشر،إنّ من يحبهم الأطفالُ يحبّهم الله
تمسكُ رنيم شهد وسيلينا بيديهم وتدعوهم إلى غرفة نومها،تخرجُ ملابس الداخليةِ أمامهم وتشرحُ لهم عن أجود الماركاتِ العالمية الباهظةِ الثمن تقوم بتجديل شعر سيلينا وتمسك المقصّ وتقومُ بقصّ شعرِ شهدٍ لتتخلصَ منه وكأنها تنتقمُ منها بسببِ تعليقها الذي جعلها تتأذى

يدخل نزار ويشاهد شعر شهد فيستشيطُ غضباً ،تسألهُ شهد عن ماركةِ الملابس الداخلية الايطاليةِ التي رأتها وتطلبُ مقاساً لعمرها من نفسِ الماركةِ
يفتحُ نزارُ عيناهُ مذهولاً من طلبها،ابنتي شهد!!تتخيل الملابس الداخلية فيصرخُ اخرسي أيتها الغبية مالك ومالُ لباس الفاجراتِ هذا
تخرجُ كلماتهُ كالرصاصِ فيشتعلُ جوّ المنزلِ من جديدٍ بضربِ الأحذيةِ وتكسير أخشاب الطاولاتِ والقضاء عبى ماتبقى من الصحونِ والكؤوسِ في المطبخ تحضن رنيم ابنها وتخرجُ إلى منزلِ أهلها

تصلُ رسالةً من رنا طلقني ،يبدأُ نزارٍ بإزالةِ الزّجاجِ والخشبِ المكسّرِ يدخل المطبخَ ليحضر الحليب لطفلهِ ،ويترك شهد وسيلينا في غرفةٍ لمتابعة درسهم ومذاكراتهم

لقد اعتاد الرجل قديماً على مسالمةِ المرأة،وتقبلها لزواجهِ ،وحدثَ أن اتفقتْ ضرتين على رجلٍ دون مشاكلٍ تذكرُ فهنّ لايعرفن حقوقهنّ كل ماأردنه سقف أمانٍ ولقمةٍ طيبةٍ ،وشقاءُ يومٍ بعملٍ محمودٍ

تغادرُ رنيم مع ابنها معن إلى منزلِ أهلها،إنه استقرار مزعزعٌ لايخلو من الصّواعقِ والمتفجرات التي تملأُ البلد

بعد سنةٍ من الزواجِ احتدم الصّراعُ بين نزارٍ وزوجتيه، عليهِ أن يفي بوعوده لرنا يوم واحد بالأسبوع فقط
كان هذا اليومُ كفيلاً بإطلاقِ شتائم رنيم لمدّة أسبوع كامل فالزوجة الثانية تغارُ بشكلٍ مفرطٍ على عكسِ مايعتقده الرجال
الجثثُ لاتغارُ بمجرّد إعلانِ الزّواجِ يحولُ الرجلُ زوجتهُ إلى جثّةً هامدةً وحرب البشرُ الميتون قويةً ،مقاتلٌ شرسٌ ذاك الذي لم يمتلك شيئاً ليخسره

طلقني أرسلت رنا وادفع مقدمي ومؤخري
طلقني أرسلت رنيم وأرسلْ مقدّمي ومؤخري
لقد طلقَ الزوجتين ولكن لم يصدر الحكم بعد

شهد تدرسُ بكثافةٍ تركز وسط هذه الفوضى على درسها لن تخسر حلمها بسبب حماقةِ والدها وزوجاته،تريدُ طعاماً،وجواً هادئاً ومالاً للدروسِ الخاصة وليحترق هذا العالم الأحمق

يحاولُ نزار أن يؤمن عملاً إضافياً الغلاءُ فاحشٌ،الحربُ تبدأ من حيثُ تنتهي،أصبح منهكاً لايحمل ثقلَ جسده،قلت ساعاتُ نومه،زادت دائرة مشاكله، لم يعد يدري أيم يركّز عقله،عقل الرجل يخضعُ لنظريةِ الصناديق الأربعة،منزلٌ،زوجةٌ عملُ،عالم خارجي
أما مسألة الشرع حلل أربعة فأعتقد كتبَ الكتابِ كان فقط لردعِ كلام الناسِ عن الخوضِ في أعراضِ الأراملِ ،وأعتقدُ أنّ رسولنا الأعظم كان هدفه من الزواجِ أبوة اليتامى والاهتمام به
ولا أعتقد أنّ عظمة هذا الدين كانت لاشباعِ غرائز الرّجلِ وشهواتهم وتبقى وجهةُ نظرٍ لا أكثر

حصلت رنا على وظيفة ثابتة،وكانت حين يتصل نزار لاتردّ على الهاتف وكان يأخذُ لها الأولاد كل شهرٍ لمدة يومينِ كاملين

أما رنيم فبدأت بمراقبةِ هاتفه،مكالماته،تفتيش ،ثيابه، طلبت منه أن يبيعَ منزله وإذ بها تتفاجأ أنه باسم رنا

بدأ نزار يعاني من هبوطٍ مفاجىءٍ بالوزن،اختفت قدرته على ممارسة الجنس،ذهب إلى عيادة الطبيب وبعد التحاليل تبينَ أنه مصابٌ بالسكر الشبابيّ
طلبت رنيم الطلاق فورا على أثر التحليلِ وأخذتْ حقوقها كاملة
طلبت رنا الطلاق وأخذتْ حقوقها كاملة
بعد سنة نجحت شهد بعلاماتٍ تامة في الشهادة الاعدادية،
واليومُ هي الأنثى التي ترعى أخوتها ،استعان نزار بسيدةٍ تقومُ بأعمالِ الطبخِ وتنظيفِ المنزل

حاول كثيراً أن تعود رنا لكنها رفضت قائلةً مازلتُ شابة والحياةُ أمامي تزورهم كل شهر مرة واحدة ويعاملونها باحترامٍ
أما نزار يحاولُ أن يأخذ أمانَ العالمِ من وجهِ سيلينا وطموح شهد وأصابعُ علي
وهو يحاولُ أن يلتقي بسيّدةٍ حنونةٍ تشتاقُ إليهِ،تثقُ بهِ،تقبّله حينَ يصلُ من عملهِ ،وتحتضنهُ كطفلةٍ وتغفو على ذراعه اليسرى
دونما أن يفكر أن يتملصَ منها بعد حادثةِ مصادفةٍ أخرى

للحبّ دورته،وللتجربةِ الخاطئةِ محاسنها

لقد تخرجت شهد من كلية الطبّ البشريّ وطلبتْ يد أمها لوالدها وتخرجت سيلينا من كليةِ هندسةِ العمارة، وتزوجَ علي من طبيبةٍ أخصائيةٍ بالأمراضِ النفسيةِ علها تنشلهُ من جيناتِ والدهِ الخائن بالمستقبلِ
مضى على فراقهما زمنٌ طويلٌ

لقد عانى كثيراً ليحمل مسؤولية الأبِ والأمّ واستطاعَ أن يمنحَ رنا صكّ الغفرانِ وقبلت الزواج بهِ ،لقد كان فرحهم أسطوريّاً وجميلاً

تغيرت يارنا!؟
لا لن أتغير لكنكَ أنتَ من تغير يانزار وإني أشتاقُ إلى وجهكَ الأولِ لقد قطعتُ مشاهد الألمِ ودفنتها في صحراءٍ لايصلها الجنّ
لقد غفرتُ لأنّ أعظم درجاتِ الحبّ أن نغفرَ لأولئكَ الذين يشقون ويعانونَ ليعود النور إلى وجوهم والبركة إلى كفوفهم والإنسانية إلى قلوبهم

انتهت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى