النانوتكنولوجي و سيوف العرب
د. محمد السيد السّكي | استشاري تحاليل طبية وكاتب وروائي مصري
med.nile4@gmail.com
النانوتكنولوجي هو ذلك العلم الذي يدرس خصائص المواد في حجمها النانومتري وتطبيقاتها وعن طريقه يمكن الحصول على المادة بأقل حجم ممكن تتجمع فيه الجزيئات.. النانومتر هو عبارة عن مليار جزء من المتر و خصائص المواد عند ذلك الحجم تختلف متيحة لنا استغلالها في كثير من التطبيقات؛ فمثلا النحاس بحجم النانومتر يزيد توصيله الكهربي أضعاف توصيلية النحاس، والكربون النانومتري تزيد صلابته أربعة أضعاف صلابة الحديد و الصلب..
وعليك ألا تتعجب عندما ترى ذهباً احمراً او ازرق على غير ما تعودت عليه عيناك ان تراه.. نعم؛ فإن جزيئات الذهب النانومتري يختلف لونها طبقاً لحجم الجزيئات فمن تملك حجم ٥ نانومتري تختلف عن التي بحجم ١٠ نانومتر وهكذا..
ولصلابة الكربون النانومتري فإنه يتم حالياً عمل حبال رفيعة جداً من الكربون النانومتري يبلغ طولها آلاف الكيلومترات بغرض عمل مصعد يصل بين الارض والقمر، جدير بالذكر ان القمر تبعد عنا حوالي مائة وخمسين الف كيلو متر..
واذ أن الذرة تكون بحجم الانجستروم الذي يمثل عشر النانومتر فان المواد النانومترية هي مواد جزيئاتها متجمعة في حجم صغير جداً فيه يتجمع عدد بسيط من الذرات، ولا يمكننا الحصول على مواد تتجمع جزيئاتها بحجم اصغر فلا يوجد مثلا البيكوتكنولوجي او الفيمتو تكنولوجي لان ذلك الحجم هو اقل من الحجم الذري..
وتستخدم تكنولوجيا النانو على نطاق واسع في شتي المجالات مساهمة في التقدم العلمي وتزليل الحياة للإنسان، واذ أن النانو هو جزء من الالف من الميكرون والذي تتواجد الخلية في حجمه مما يجعل تكنولوجيا النانو لها دوراً كبيراً في علوم البيولوجيا..
ولقد استخدمت تطبيقات النانوتكنولوجي حديثاً لعلاج السرطان، ولقد حصل العالم المصري الدكتور مصطفى السيد على جائزة مرموقة بأمريكا لمساهمته العظيمة في علاج السرطان بالنانوتكنولوجي حيث تم استخدام جزيئات الذهب النانومترية لعلاج السرطان، اذ أنه بتسليط أشعة الليزر على تلك المواد تتولد بها حرارة كافية لاتلاف بروتينات الخلية السرطانية “hyperthermia”..
ويتم استغلال تأثير الليزر على المواد النانومترية في كثير من التطبيقات اما عن طريق رفع درجة حرارة الجزيئات الصغيرة كما يحدث في جزيئات الذهب، بل ويمكن أيضا عن طريق توليد جزيئات اوكسجين حرة(شوارد حرة) كما في حالة جزيئات ثاني أكسيد التيتانيوم النانومتري ويستخدم في علاج السرطان لتاثير الشوارد الحرة في اتلاف الغشاء الدهني للخلية، بل ويمكن استخدام ثاني أكسيد التيتانيوم في التنظيف الذاتي للاسطح الزجاجية ويستخدم أيضا في الدهانات..
والحصول على شرائح بحجم متناهي في الصغر ذات توصيلية عالية يمثل طفرة في صناعات التليفون المحمول والكمبيوتر والاجهزة الدقيقة..
ورغم حداثة استخدام تكنولوجيا النانو في الحياة الا ان هناك دلائل كبيرة على قدم وجود تلك التكنولوجيا.. فلم يكن الدكتور مصطفى السيد هو أول عربى متميز في ذلك المجال، بل ان العرب طرقوا ذلك المجال منذ مئات السنين قبل الغرب بكثير. فلقد وجد ان السيوف الدمشقية شديدة المرونة والصلابة التي كان يستخدمها صلاح الدين الأيوبي وجنوده في القرون الوسطى والتي ذاع صيتها ابّان حروب صلاح الدين الأيوبي مع الصليبيين تحتوي على جزيئات نانومترية . حيث وجد فريق من الباحثين الألمان عند دراستهم لبعض تلك السيوف المحتفظ به بمتاحف ألمانية انها تم صناعتها طبقا لتكنولوجيا النانو فهي تحتوي على جزيئات الكربون النانومتري شديد الصلابة. فلقد كانوا يصنعونها بالتسخين لدرجات حرارة عالية جداً ثم التبريد المفاجئ فتتكون أنابيب كربون نانومترية شديدة الصلابة وذو مرونة في نفس الوقت..
ولقد كان العرب يستخدمونه ولا يدرون انهم انتجوا مواد نانومترية لها تطبيقات كبيرة في الحياة. مثلهم كمثل الفرس الذين كانوا يعتقدون ان نيرانهم المقدسة لاتنطفئ بينما السر كان في ترابهم “المقدس” المليئ بالبترول..
جدير بالذكر انه الان يوجد مئات الباحثين المصريين المتميزين في علوم النانوتكنولوجي في جميع أنحاء بلاد العالم وينشرون ابحاث متميزة في ذلك المجال..
أن الاهتمام بالعلم والبحث العلمي هو الوسيلة الوحيدة لمواكبة ركب الأمم نحو التمدن والحضارة والتقدم..
وعلى مضي العصور فقد كان السبق العلمي هي الوسيلة التي يُراهَن عليها لتبقى الأمم عالية الهامة ولا تقع فريسة للأمم الضالة التي تبغي إذلال الخلق والاستئثار بخيرات الأرض..