في رثاء مظفر النواب
نداء يونس
مات شاعر فلسطين، شاعر المنافي والحنين إلى تلك العراق، مات الشاعر المدرسة.
مات الشاعر الذي وقف من شدة الصدق وحده وحارب جبهتين: الاحتلال الإسرائيلي وتخاذل الأنظمة.
مات شاعر على جبهة واحدة؛ جبهة القدس والذات، على جبهة العشق وحده.
مات شاعر كنت أحبه، وكنت من شدة الحب أخافه.
مات شاعر عندما – وعندما فقط – كنت أقنع نفسي أن أتعلم الفرح …
قام مظفر النواب، قام الذي الحزن عليه صمت طويل طويل لم اأمكن سوى اللحظة أن أكسره.
مات من مثلنا كان غريبا “وأفضل من يصنع مجدافين ولا يملك قاربا”..
ومن مثلنا يمتلك ثلاث أمنبات على أبواب كل سنة ويقول ما أقول في مطلع كل سنة عنا هنا فقط استبدل العراق بفلسطين…
مَرَّةً أُخرى على شُبَّاكِنا تَبكي
ولا شَيءَ سَوى الريح
وحَبَّاتٍ مِنَ الثَلجِ على القَلبِ
وحُزنٍ مِثلَ أسواقِ العِراقْ
مِرَّةً أُخرى يَنامُ القَلبُ
بالقُربِ مِنَ النَهْرِ زُقاقْ
مَرَّةً أُخرى أُوافيهِم على بُعْدٍ
وما عُدنا رِفاقْ ..
لم يَعُدْ يذكُرني مُنذُ اختلفنا
أحدٌ غيرُ الطريق
صارَ يَكفي
فَرَحُ الأجراسِِ يأتي مِن بَعيدٍ
وصَهيلُ الفتياتِ الشُقر
يَستنهضُ عَزمَ الزمنِ المُتْعَبِ
والريحُ مِنَ الرُقعةِ تغتابُ شُموعي
رُقعةٌ الشُبَّاكِ كَم تُشبهُ جُوعي
وأثينا كُلُّها في الشارعِ الشتوي
تُرخي شَعرَها للنَمَشِ الفِضِّيِ
والأشرطةِ الزرقاءِ و اللذَّةِ
هل أخرجُ للشارعِ ؟
مَنْ يَعرِفُني ؟
مَنْ تَشتريني بِقليلٍ مِنْ زوايا عَينِها ؟
تَفهَم تَنويني و ضَمِّي و دُموعي ..
أي إِلهي : إِنَّ لي أمنيةً
أَنْ يَسقُطَ القَمعُ بِداءِ القَلب
والمَنفى يعودونَ إلى أوطانِهم
ثُمَّ رُجوعي ..
كُلُّ شَيءٍ طَعمُهُ طَعمُ الفِراقْ
حينما ترتفعُ القاماتُ لَحناً أُمَمِياً
ثُمَّ لا يأتي العِراقْ
كانَ قَلبي يَضْطَرب
كنتُ أستفهمُ عَمَّن وَجَّهَ الدعوةَ
عَمَّن وَضَعَ اللحنَ
ومَن قادَ و مَن أَنشَدَ
أَستفهِمُ حتَّى عَن مَذاقِ الحاضِرينْ
يا إِلهي : إِنَّ لي أُمنيةً ثانيةً
أن يًرجعَ اللحنُ عِراقياً و إِنْ كان حَزينْ
لم يَعُدْ يَذكُرني في الحفلَ غيرُ الإحتراقْ
كان حفلاً أممياً إِنَّما قد دُعِيَ النفطُ
ولمْ يُدْعَ العَراقْ
يا إِلهي : رغبةٌ أُخرى إِذا وافقتَ
أن تغفِرَ لي بُعديَ أُمِّي
والشُّجيراتِ التي لم أسقِها مُنذُ سِنينْ
وانشغالي بينما تَبحَثُ عَنِّي
وأنا أسلكُ في الدربِ
وإنْ كنتُ بجيشِ الضائِعينْ
وأثينا …. آآآآآه مِنْ هذي الأثينا
لم تُزَرِّر أيَّ شَيءٍ
عَرضَت فِتنَتَها
والناسُ ما زالوا على أرصفةِ الأمسِ
سُكارى مَيِّتينْ
إِيهِ يا بَحْرِّيَةَ الأثوابِ
أثوابُكِ تُعطي ضِعفَ ما عُريَكِ يُعطي
وأنا ضاعَفتُ عَينيَّ
وبعضُ النَّظرِ المُشتاقِ لمسٌ
ولقد يَهتفُ حتَّى الكُفرُ مَهزوماً أمامَ الحُسْنِ : سُبحانَكَ رَبَّ العالمينْ
قانعٌ مِنْ كُلِّ دُنيايَ بَحُبٍّ مِثلما يُفْطِرُ مَنْ صامَ
مَدى الدَّهرِ بتمراتِ كُنوزٍ مِنْ عِراقٍ و حَنينْ
مات الذي لم يكن في العراق سواه، لتيمت بالعراق لأجله.