حكايا من القرايا ” خلند… وعنب “
عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين
قالت أم السعيد لــ (أبو غازي): يا زلمي حفين إجريّ وأنا جاي رايح عندك… يا بن الحلال هالخلند ذابحنا ذبح… وإنت تقول بهاليومين جاييله… وبدّك تقطع جنسهن من الأرظ… يا بن الحلال كل ما طلعت هالدالية، وورقّت وبرعمت… بيجي الله يقصف نبتته بقرم شرشها… ما بتشوفها إلا اصفرّت… واصفرت… وماتت…
كل سنة بنزرعها بمحل، وكل ميّة الدار عليها، وأبو السعيد ما بتوظّا إلا عليها، وكل سنة بتطلع ما شا الله عنها وبتورّق… وبعدين بتموت… مات أبو السعيد الله يرحمه وهو يستنّى فيها ويوكل من قطوفها… لكن الخلند الله لا يهدّي باله مش مهدّي بالنا… اهتزّ شاربا (أبو غازي) المعقوفان… وأخذ نفساً عميقاً من سيجارته، ونفخ في الهواء دخانها، وقال بغضب: بكرا من الصبح، حضري لي (فطور وشاي)، وحضري لمقصوف الرقبة (بصل)… والله الا أفرجيه يوم ما شافه… ولْ يا حيف ع الرجال…
صلت أم السعيد الفجر، وانطلقت بسعادة تجهز فطور المغوار صياد الخلندات… ومع طلوع الشمس كان بابها يدق، وينادي أم السعيد… وينكم لهسّا نايمين… عزّر عليها في الحارة وهو يصيح… فتحت له الباب… كان يلبس بنطلون (سرتش) وفانيللا نص كم… وحفاية بلاستيك – أجلكم الله – وكقائد تمشى في أنحاء المنطقة، وعاين أكواماً من التراب للخلند، أكواماً على سطح الأرض ويبدو أنه يسكن فيها… فتح هذه الأكوام ووضع في كل منها راس بصل… ووضع عصاه ذات الدَّبَسيّة جانبه، ينتظر سارق الدوالي كي يخرج من مخبئه، ويطرقه على رأسه المتصل مباشرة بجسده، وينهي حياته… علّ الدوالي تعيش…
جلس أبو غازي يكسر الصفرا، وتتجول لقماته في أنحاء صينية القش حاملة الأكل… تتجول لقماته بين البيض والبندورة المقلية المفلفلة… والمكدوس، واللبن، والتونا… يمزع لقمة من الرغيف الطابوني، وهو على استعداد للضرب في أية لحظة، يشرب الشاي وهو يشرح نذالة الخلند، وتكتيكاته الكثيرة في الحركة، وبيوته المتعددة تحت الأرض، فهذا للمبيت، وذاك للأكل، وآخر للولادة… ثم يعرّج على عشق الخلند للبصل… وينظر إلى عصاه ويتوعد، (بس اطلع يا غاير… كنّك زلمه ورجيني حالك)… وفي لحظة هاربة، زمجر أبو غازي، وانقلب عدد من الصحون لحركته الغاضبة، ورمى عصاه وهو جالس… خرج اللعين كأسطوانة تركض… خرج من مخبئه، وأبو غازي منشغل ببطنه، رمى أبو غازي العصا بسرعة وغضب، ولكن هيهات أن تصيب الجاني… ومع ذلك الله ستر… لقد أصبت العصا إبريق فخار كانت تحمله أم السعيد، ليشرب القائد… انكسر الفخار، وسال الماء على الحجة… وقالت: الحمد لله ساتر الجميع… لقد حماني الإبريق، ولو لم يكن معي لانكسرت لي يد أو رجل… الله قدّر ولطف…
إنها معركة غير متكافئة… فالخلند نجا بوبره، وبأنيابه قاطعة جذور الدالية… وصاحبنا يأكل ويشرح عن التجهيزات والاستعداد للمعركة… لكن اللي ظرب ظرب واللي هرب هرب…
انخزى أبو غازي، وعرقت جبهته، توقف حالاً عن الأكل، وحمد الله بصوت يكاد يسمع، تناول عصاه، وقال للحجة… اليوم صارت وبكرا بشوف… اليوم نفد… بكرا راجعله… والله ليموت موتة عمر بني آدم ما ماتها… توكلي على الله يا حجة…
في تلك السنة ماتت الحجة… وماتت الدالية… وبقي الخلند يبني مستوطناته تحت الأرض… ويتحدى الرجال وعصيّهم…