الروهينغا من الاضطهاد إلى الإبادة.. وعجز المجتمع الدوليّ أُكذوبة

ناصر أبو عون

مع تجدد آلام الذكرى العشرين للتطهير العرقي، والإبادة الجماعية الممنهجة ضد الشعب “البوسني” المسلم وﺍﻟﺘﻲ راح ضحيتها أكثر من 300 ﺃﻟﻒ ﻣﺴﻠﻢ، ومليون ونصف نازح ومهجّر عن دياره، واغتُصبتْ خلالها 60 ﺃﻟﻒ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻭﻃﻔﻠﺔ ويزيد!! في حرب “ﻗﺮﻭﺳﻄﻴﺔ”، – وفق تعبير ﻛﺮﻳﺴﺘﻴﺎﻧﺎ ﺃﻣﺎﻧﺒﻮﺭ – فقد كانت بحق “محرقة نازيّة” واقعية لا (كايكاترورية) مصنوعة على عين حكومات وشعوب أوروبا، وأمريكا الملتحفة – خِداعًا – بأزياء الديموقراطيّة، والرافعة في وجوهنا رايات حقوق الإنسان والحيوان كذبا، والتالية على آذاننا – صباح مساء – مواثيق التعايش السلمي؛ غير أنّها غضّتْ الطرف طوال 4 سنوات عجاف عن مذابح التطهير العرقيّ، والتهجير الإثنيّ؛ ﻫﺪﻡ “ﺍﻟﺼﺮﺏ” خلالها ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ 800 ﻣﺴﺠﺪ، ﺑﻌﻀﻬﺎ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﻋﺸﺮ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ، ﻭﺃﺣﺮﻗﻮﺍ “ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺳﺮﺍﻳﻴﻔﻮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ”.. اليوم تتجدد الآلام مع تصاعد حدّة “التطهير العرقي”، و”الاضطهاد العقائدي”، و”ابتكار وسائل شيطانيّة للتعذيب” في “جيتوهات”، و”معسكرات الجيش البورميّ” ضد مسلمي “الروهينغا”.

إنّ مصير الروهينغا الذين يعيشون في بورما منذ أجيال، ملف قابل للانفجار في هذا البلد الواقع جنوب شرق آسيا؛ فهم أقليّة عِرقيّة مضطهدة من قبل أكثريّة بوذية تقدّر بـ(95 %) من السكان، ويعتبرهم البوذيون أجانب، ويمارسون ضدهم أشكال التمييز كافة في العديد من الأنشطة الحياتيّة كالاستعبّاد، والعمل القسري إلى الابتزاز وفرض قيود على حرية التَّنقل داخل بورما ذاتها، ويمعنون في حرمانهم من الحصول على العناية الطبية الأساسيّة والتعليم الأولي.

لقد “ارتكبت (حكومة ميانمار) العديد من المجازر في حق الروهينغا المسلمين دونما تمييز بين امرأة وطفل ومسن، وحرق الناس وهم أحياء”، ومما يثير الحنق أنّ حكومة بورما بقيادة أونغ سان سو تشي الحائزة جائزة نوبل للسلام تنفي ما يحدث، وتتهم الروهينغا بالإرهاب. وهي الرواية التي يناقضها المدير العام لاتحاد روهينغا أراكان وقار الدين فقد أكد بأن العنف هذه المرة “ليس من جماعات بوذية متطرفة وحسب” بل “تقوم به حكومة ميانمار بشكل رئيس، وأردف قائلا “إنّ الجيش يهاجم القرى ويقتل سكانها ويضرم النار في المنازل”، مشيرا إلى أن قوات الأمن تلقي النساء والأطفال في المنازل وهي تحترق، ومن لم يتمكنوا من اعتقاله أثناء الفرار، يتتبعونه بطائرات مروحية ثم يقتلونه، لافتا إلى أن حقول الأرز مليئة بجثث مسلمي أراكان. وأفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن نحو 10 آلاف شخص من أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار فروا إلى بنغلاديش المجاورة في الأسابيع الماضية.

وطوال مسيرته التاريخية تعرض شعب الرروهينغا لأبشع أنواع القمع والتعذيب والاغتصاب وتواصل هذا الجحيم بموجب قانون الجنسية الصادر عام 1982، والذي ينتهك المبادئ المتعارف عليها دولياً بنصِّه على تجريد “الروهينغا” من حقوق المواطنة، وترتب عن هذا القانون العديد من الإجراءات التعسفيّة كان من أهمها: (حرمان مسلمي الروهينغا من تملك العقارات وممارسة أعمال التجارة وتقلد الوظائف في الجيش والهيئات الحكومية، وحرمانهم أيضا من حق التصويت بالانتخابات البرلمانية، وتأسيس المنظمات وممارسة النشاطات السياسية، وفرض ضرائب باهظة على المسلمين هناك، ومنعهم من مواصلة التعليم العالي، ووضع قيود على التَّنقل، والسفر والزواج، والإنجاب”.

كما تشير تقارير إلى أن السلطات قامت في 1988 بإنشاء ما يسمى “القرى النموذجية” في شمالي راخين، حتى يتسنّى تشجيع أُسَر البوذيين على الاستيطان في هذه المناطق بدلا من المسلمين، وفي سنة 1989، غيرت الحكومة البورمية العسكرية رسميًا الترجمات الإنجليزية للكثير من المناطق، شاملةً اسم الدولة من بورما إلى “ميانمار”، و استهدفت التغييرات الأسماء الإسلامية و المصطلحات ذات الأصل العربي الاسلامي”.

وعلى الرغم من هذه التجاوزات اللإنسانيّة فإنها تكشف لنا أنّ “منظمة التعاون الإسلامي” مكبّلة اليدين، ومخطوفة وأضحت منذ نشأتها حتى الساعة ديكورًا ليس إلا ومنبرا للنباح أو للتوقيع على بعض القوانين الأممية التي تستهدف خدمة الغرب ومصالحه كمعاداة إيران وفق أجندة طائفيّة، ومن قبلها منظمات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي كشف عن وجهه بأنه ليس إلا مجلس لإدارة (قوات من المرتزقة) تتحرك تحت بند (الفصل السابع من ميثاق المنظمة الأممية) لخدمة المصالح الغربيّة، والقضية السورية خير شاهد منذ بدء الأزمة قبل سنوات خمس من الآن.

وإذا كنا نطالب مثل باقي شعوب العالم بضرورة التدخل الدولي الإنساني لإنقاذ شعب “الروهينغا” فإن خطورة “التدخل الدولي الإنساني” تكمن في أمرين:

الأول: أن هناك تدخلا إنسانيا دوليا يتم في معظم وربما كافة مناطق النزاعات الداخلية في العالم تقوم به قوى متخصصة تعمل في المجالات الإنسانية كمنظمات الإغاثة وهي كيانات دولية أجنبية وبعضها يتبع الأمم المتحدة مباشرة. لكن الأمر لم يخل من اتهامات ضد بعض هذه المنظمات أو على الأقل بعض العاملين فيها ومن ذلك نذكر قيام المجلس الاقتصادي الاجتماعي خلال عام 2000 بشطب منظمة (التضامن المسيحي) من عضويته الاستشارية وهي منظمة تعمل في مجالات التنسيق الإنساني في البلدان الأفريقية وجاء شطبها نتيجة ثبوت كذب تقاريرها عن مسؤولية الحكومة السودانية عن ممارسات الرق في جنوب السودان.

الثاني: أن مناطق عديدة للنزاعات الداخلية والدولية في العالم لم تلق الاهتمام المماثل من القوى الدولية أو المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات مماثلة رغم تفاقم كوارثها الإنسانية وتعتبر فلسطين ومينمار وسوريا الآن نموذجا صارخا في هذا الأمر.

لقد اتسعت تجارب التدخل الإنساني في العقد الأخير من القرن العشرين وبدرجة صارت معها الدوافع الإنسانية غطاء مناسبا أو جزء من عمليات التدخل العسكري للقوى الدولية في شؤون الدول ذات السيادة مما أدى إلى تعاظم مخاطر هذا التدخل في ظل اختلال موازين القوى الدولية وانفراد الولايات المتحدة بإدارة النظام الدولي الذي تقوم بتحديثه وفق رؤيتها تلك الرؤية التي تعبر في النهاية عن مصالحها.

فقد كانت الدواعي الإنسانية جزءا من التبريرات الأمريكية لتدخلها في فيتنام 1963 وكذلك أفغانستان 2001 وفي الوقت نفسه تبقى قضايا مثل فلسطين ومينمار وسوريا والشيشان محل تجاهل واضح وهو ما يؤكد على ازدواجية المعايير والطابع الانتقائي لعمليات حفظ السلام والتدخل الدولي الإنساني.

وفي حالة (البوسنة والهرسك) كان التدخل بالوسائل القسرية متأخرا وخاصة التدخل العسكري نتيجة توازنات المصالح بين القوى الأوروبية وروسيا والولايات المتحدة والتي غضَّت الطرف عن تدهور الوضع الإنساني وحجم الخسائر وفظاعة الجرائم وهذا التأخر في التدخل ارتبط بنظرة عنصرية للضحايا المسلمين.

غير أن النظر إلى الواقع الدولي الحالي وخاصة بعد تشابكه وتعقده عقب أحداث 11 سبتمبر والربيع العربي، وآثارهما لا يتيح تصور الكيفية التي يمكن بها وضع ضوابط لعمليات التدخل الإنساني بل إن التصور حاليا أن الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب بقيادة واشنطن ستعبر بالمجتمع الدولي إلى مرحلة جديدة تمكنها ربما من تحقيق دعاياتها السابقة عما سمي بنهاية التاريخ وصدام الحضارات ونجاح النمط الأمريكي في الهيمنة على العالم تحت ذريعة نشر قيم ودوافع “العولمة”.  لكن فيروس “كورونا” أحبط كل المخططات ضد المستضعفين وبات سقوط النسر الأمريكي وشيكا وتفكك الولايات المتحدة ربما أسرع بكثير من ترنح الدب السوفيتي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى