عدالة الدين والحركة النسوية

د.فيصل رضوان| الولايات المتحدة الأمريكية

    تهدف الحركة النسوية العالمية إلى تحقيق المساواة equality بين الرجل والمرأة، وليس “التشابه” sameness. ومن المهم أن نفهم هنا أن جوهر القضية يتعلق بالمساواة في الحقوق والوصول المتكافئ إلى الفرص.

     وإذا كان اغلبنا يتفق فى ذلك، كنوع بين التكامل العادل بين الرجل والمرأة، فلماذا يبغض الكثيرون من الرجال أو النساء مصطلح النسوية feminism والحركة النسوية؟

    ربما هناك أسباب كثيرة لهذا الكراهية غير المبررة، منها ارتباط الحركة النسوية بالمرأة القوية الغاضبة، ذات السلطة والسيطرة. وكما يعتقد الكثير من الناس أن النسويات يهدفن إلى السيطرة على العالم وإحباط الرجال.كما يخشى البعض أن النسوية هى حركة مضادة للتقاليد والأعراف العريقة والمعتقدات الدينية وأدوار الجنسين الراسخة، وهذا أمر خاطئ.

    هل الدين عقبة أم فرصة لتمكين المرأة الشرقية؟ غالبًا ما يُنظر إلى الدين على أنه إضفاء الطابع المؤسسي على النظام الأبوي الرجولي المستديم؛ وهذا الفهم الخاطئ قد يحبط العديد من المدافعين عن حقوق المرأة والمساواة.

    بين المد والجذر، غالبًا ما يتم التغاضي تماما عن سرد الجوانب الإيجابية العديدة للدين وللمؤسسات الدينية التى اهتمت بالمرأة وبحقوقها، وساهمت في نمو أنشطة نسائية كثيرة فى دولنا منذ قرون.

    لكن فى ظل هذا التصادم المفتعل بين الدين وحقوق المرأة؛ تبقى بعض الأسئلة المحيرة التى تتطلب الكثير من الإجابات الصادقة. أين الأماكن الآمنة التي تسمح بمناقشة الخلافات بشكل بناء حول هذا الموضوع؟ هل هناك طرق لتجاوز الخلاف والانخراط فى العمل الجاد، والتركيز على الهدف المشترك وهو بناء مجتمع قوى عادل؟ وهل الاعتراف بالمساواة الكاملة للنساء والرجال يتصادم مع الدين والأعراف؟

   لا زالت هناك حساسية دينية مفرطة للنسوية عمومًا، ذلك مخالفًا للفهم الصحيح للشريعة والمبادئ الإسلامية الصحيحة التى تراعي تماما مبادئ حقوق المرأة.

    مما جعل الجماعات النسوية المتدينة أو العلمانية منها؛ أن تميل إلى تجنب الدين، أو عدم التعامل معه بشكل مباشر ، معتبرة أنه أمر صعب وشائك.

   وربما فى بعض المجتمعات الشرقية، قد يُنظر إلى النسويات عمومًا على أنهن “عملاء غربيون يحاولون تدمير الأسرة أو الثقافة”.

   وقد أعطى التحول الإجتماعي، نتيجة ثورات الربيع العربى، أعطى النسويات فى الشرق _على اختلاف تدينهم -نوعًا من إدراك الأرضية المشتركة الرئيسية للجميع وهي حرية التعبير والنقاش: فالجماعات الأصولية تهاجم النسويات الإسلاميات، أو العلمانيات منهن على السواء.

    لكن نرى أنه لازالت هناك فرصة ضرورية لناشطات حقوق المرأة فى عالمنا الشرقى الانخراط في قضايا الدين والاستماع إلى وجهات النظر المختلفة والصبر في الحوار، حتى يتثنى لهن كسب التعاطف العام ودحض الشكوك حول ما إذا كان الدين متوافقًا مع المُثل النسوية كما يرونها أم لا.

    ولعل التجريم القانونى ومناهضة ختان الإناث فى مصر وكثير من البلاد الاسلامية هو خير مثال يمكن الاشارة اليه كإحدى ثمار الحوار الراقى بين المجموعات النسوية والمؤسسات الدينية؛ والذى كان البعض يتصور أن هذه الممارسة من الدين، لكن فى الواقع لم تكن جزءًا من الدين.

   لذا، فإنه لا يمكن للنسويات تجاهل الدين وقيمه الأصيلة، خصوصا فى المجتمعات الشرقية، ولكن من الأفضل لهن استخدام الموارد الدينية لتحقيق العدالة المثلى والحقوق بين الجنسين، مما يوفر طريقًا للخروج من دائرة التوتر والرؤى المتضاربة. وهذا بالطبع يتطلب من الجميع المزيد من العمل والحاجة إلى الصبر والشجاعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى