نجمة القدس شيرين.. تقهر الاحتلال والظلاميين
زياد شليوط
كشف استشهاد شيرين أبو عاقلة عورات “الاحتلال الاسرائيلي” من جهة، وعيوب “الظلاميين التكفيريين” من جهة أخرى. لأن الظلامية الاحتلالية والظلامية الدينية تلتقيان في العداء لشيرين وخيارها وقضيتها وانتمائها، انتصرت عليهما شيرين بموتها حين وطئت موتها بموتها ونالت الحياة وهي في نعشها، بهذا الالتحام الجماهيري الأسطوري الذي قلّ مثيله.
لم يكن دم شيرين قد جفّ بعد حتى خرجت أبواق الاحتلال، في محاولات بائسة لتشويه الحقائق وتزوير المعطيات وتحريف الشهادات، في محاولة بائسة لإنقاذ ماء وجهه أمام الرأي العام الدولي الغائب، والصاق تهمة القتل بالمسلحين الفلسطينيين أبناء شعب شيرين وحماتها. وحاول الإسرائيليون بكل ما يملكون من دهاء وما يجيدونه من مكر وخداع، إيقاع الطرف الفلسطيني في شرك “لجنة تحقيق مشتركة”. وبرهن “الاحتلال الإنساني” على انسانيته المفرطة في عجزه عن كظم غيظه أمام النقاط التي سجلتها شيرين في شباكه دوليا، وبعدما ظنّ أصحاب القرار أنهم ارتاحوا منها ومن “وجع الرأس” الذي تسببه لهم عبر الشاشة، انقضّوا على نعشها في محاولة لقتلها ثانية، بكل الوسائل “الإنسانية” التي يتقنونها من رفس وضرب واطلاق رصاص ورش مياه عادمة.
ولم يكد دم شيرين يجف حتى خرج علينا بعض من دعاة الجهل والتخلف، يفتون ويطلقون الأحكام يحللون ويحرّمون على هواهم المريض، بجواز أو عدم جواز الترحم على شيرين كونها تنتمي للديانة المسيحية، وللأسف انشغل البعض أيضا بتلك الترهات والأقوال وانساقوا خلف نقاشات عقيمة، ونسوا ما مرّ علينا في عهد القومية العربية من مواقف قومية مشرّفة، حين كان يقف الشيخ إلى جانب الكاهن على رأس المناسبات الوطنية، يرفعان الصلاة معا ويقسمان بالقرآن والانجيل، هذه الصورة التي اختفت من مناسباتنا الوطنية واقتصرت على لون واحد، جاء استشهاد شيرين وجنازتها التاريخية، ليعيدا الأمور إلى نصابها القومي لشعب واحد تحت خيمة القومية العربية.
وانكفأ الاحتلال وانهزم الظلاميون، حيث داستهم أقدام الفلسطينيين الأحرار، من شعب الجبارين، وبقي العلم الفلسطيني يرفرف فوق وحول نعش شيرين في سماء القدس. وشارك أبناء الشعب الفلسطيني، شعب الديانتين، مسلمين ومسيحيين جنبا إلى جنب، يحمون جثمان “نجمة القدس” الشهيدة شيرين أبوعاقلة، وهم يهتفون معا “الله أكبر” ويصلّون “أبانا الذي في السموات”، ويرفعون أياديهم نحو السماء يطلبون الرحمة والسكينة لروح شيرين. انكفأ “جنود الرومان” وتراجعوا أمام الحشد الفلسطيني العنيد، وسطّر شباب القدس ملحمة أسطورية في الوفاء للوطن والقضية، لم ترهبهم سحنات الجنود الباهتة ولا هراواتهم الهشّة عن حمل نعش شيرين على أكتافهم وهم يهتفون “بالروح بالدم نفديك يا شيرين”. واستعادت القدس ألقها وروحها ورفرفت الأعلام الفلسطينية في سمائها، ولم ينجح خطف أو تهديد أو ترهيب، ولم ينفع قرار أمريكي ولا إسرائيلي في جعل القدس عاصمة لهم، فالقدس كانت يومها على موعد مع عروسها شيرين..
استذكرت وأنا أتابع جنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة على مدى ثلاثة أيام، وقد خرج الشعب الفلسطيني بأسره لوداعها، مدير ومؤسس “مركز اللقاء للدراسات الدينية والتراثية في الأرض المقدسة” المرحوم الدكتور جريس سعد خوري، الذي بذل جهده ومعظم أيام حياته في العمل والنشاط من أجل تعزيز العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين أبناء الوطن الواحد، مع كوكبة من زملائه الأكاديميين الفلسطينيين، وكم كان يبدي قلقه من غزو الأفكار “الداعشية” لمجتمعنا الفلسطيني، وتوفي وهو يعيش ذلك القلق ويعمل في التصدي له، كم كنت أن يكون معنا ويشهد ما كشفه اغتيال شيرين وما أكدته جنازتها الكبيرة بكل المقاييس، من بقاء الثوابت الوطنية والتمسك برموزها الوحدوية، وهذا ما سبق وأكده د. خوري بقوله: ” إن الوحدة الوطنية ليست شعارا نتغنى به، بل مشروعاً وطنياً من الدرجة الأولى علينا أن نشارك فيه جميعاً ونتحمل المسؤوليات وعلى كل المستويات: تربويًا، دينياً، إعلامياً، اجتماعياً واقتصادياً”.
فشلت كل محاولات وإجراءات “القوات الإسرائيلية” والفتاوى “الظلامية”، وارتدت الرصاصتان الحاقدتان “الأولى برصآصة مُحتــــل والثـــآنية بعبآرة مُختـــل” كما قال قائل، إلى نحور مطلقيها. وأثبتت جنازة شيرين أبو عاقلة أنها “الشهيدة الحيّة” في وجدان شعبها الفلسطيني، وفي ذاكرة الشعوب العربية والأوساط العالمية الانسانية.
(شفاعمرو – الجليل)