ماذا قدمت؟
خالد رمضان | تربوي مصري – صلالة – سلطنة عُمان
خلقَ الله تعالى الإنسانَ بيديه – سبحانه -، وكرّمَه وشرّفَه بالتكليفِ، وجعلَه خليفتَه في أرضِه، وأسبغَ عليه نِعَمَه ظاهرةً وباطنةً.. هذا الإنسانُ الكريمُ في خِلْقتِه العظيمُ في رفعتِه ضعيفٌ في بنيتِه، بل هو أضعفُ خلْقِه سبحانه وتعالى، تؤلمُه نملةٌ، وتقتلُه لدغةٌ، فلا سلاحَ له سوى عقلِه، وبه ساد ذلك الكون الرهيب .
وهنا يكمنُ السؤالُ : ماذا قدّمتَ؟ هل استفدْتَ من تلك القدراتِ؟ هل انتفعْتَ بما لديك من إبداعاتٍ؟
قم فانفضْ غبارَ الكسلِ عن عقلك، وأعمِلْ في هذا الكونِ فكرك، فتنفعَ نفسَكَ، والٱخرين. فإن الفراغُ سُمٌّ زُعافٌ يقضي على صاحبِه، وقد يودي بحياته، واعلم أن بداخلِك دُررًا ثمينةً تحتاجُ من يُخرِجُها، ويُظهرُها حتى تخطفَ أبصارَ الناسِ، وبصائرهم.
إن هؤلاءِ المبدعين اللامعين، ومَن تعلو أسماؤهم، وأعمالُهم في سماء الدنيا كانوا أُناسًا بسطاء، وربما كانوا أقلَّ حظًّا منك، وربما كانوا أصحابَ عاهاتٍ جسديةٍ، فما وقفت تلك النواقصُ كعقبةٍ أمام عزائمهم، وإصرارِهم العنيد. فمثلاً طه حسين كان أعمى، وما بعد العمى من ٱفة، ولكن بإصراره، وعزمِه صار عميدا للأدب العربي، ورائدا من روّاد التنوير في العصر الحديث، ولا زالت كلماته تُردّدُ حتى الآن، ومنها : التعليمُ كالماء والهواءِ، ومنها : ويلٌ لطالب العلم إذا رضي عن نفسه. فمصطفى صادق الرافعي كان ضعيفَ السمعِ، والعقاد لم ينل من التعليم إلا الشهادةَ الابتدائيةَ، وتوماس إديسون الأمريكي صاحب الأكثر من ألف اختراعٍ، منها المصباح الكهربائي كان ضعيف السمع، وكان عنده تأخرٌ دراسيٌّ. هؤلاء وغيرُهم من عباقرةِ الإبداعِ العلمي، أو الأدبي، أو الفكري ما وضعوا أنفسهم موضعَ المعاقين، ولم يبحثوا عن ضمانٍ اجتماعي، أو معاشٍ استثنائي، إنما صارعوا الحياةَ فصرعوها، وجاهدوا أنفسهم فغلبوها، ونقشوا أسماءهم بأحرفٍ من نورٍ في سجلاتِ الزمن.
فقم من رقدتك، وحارب ذلك الفراغَ بسيفِ الجِدّ والاجتهادِ . لا تيأسْ من رَوْحِ الله إنه لا ييأسُ من روح الله إلا القومُ الكافرون، فكم من أُناسٍ في حياتنا وكانوا أصحابَ هِممٍ عاليةٍ، ونفوسٍ سامقةٍ لا نستطيع نسيانَهم، ولا نسيانَ أعمالِهم، كهذه المعلمة التي كانت تأخذ الماشطةَ معها فتمشّط لطفلةٍ ماتت أمُّها، فلم تجد من يصفّفُ لها شعرَها، ولا ذلك الرجلُ الذي كان يخصّصُ دعاءً لموتى لا يعرفُهم، ويعلل ذلك بقوله : هؤلاء قد لا يجدون من لا يدعو لهم .
ونحن في نهاية المرحلة الابتدائية قسمت معلمتُنا طلابَ صفوفها على مجموعةٍ متفوقةٍ نأتي قبل بداية اليوم الدراسي نراجعُ لزملائنا، ونحل معهم التدريبات، وفي بلدتنا في أوائل الثمانينات كان أحدُ المعلمين – رحمه الله تعالى – كان يمر على بيوت التلاميذ، ويطرق الباب، ويعلمهم دون مقابل، بل وكان يحمل مخيطا، وخيطًا، فيرقع لهم ما تمزق من ثيابهم رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وإن بداخل كلّ منا خيرًا كثيرا، وعلمًا غزيرًا، ونفعًا وفيرًا، فلا تحرم نفسك خيري الدنيا والآخرة، ولا تحقرنّ عملا ولو كان صغيرا.
نفعنا الله وإياكم بما علمنا، وعلمنا ما ينفعنا.