إسرائيل والمقاومة على حبل دقيق
سهيل كيوان | فلسطين
أصحاب القرار في إسرائيل في ورطة، من جهة تتعرض حكومة بينيت – لبيد إلى ضغوط من داخلها، ترى بأن تغيير مسار “مسيرة الأعلام” أو منعها، يعني خسارة نقاط لصالح معسكر نتنياهو الذي يزايد في تطرّفه، ويتّهم هذه الحكومة بالضعف والرّضوخ، والتنازل عن أساسيات اليمين أمام تهديدات المقاومة، والمساومة بسبب حلفائها من اليسار والعرب، ولهذا فهم يريدون “مسيرة الأعلام”، حفاظا على صورتهم اليمينية الاستيطانية، ولكن دون حشر المقاومة إلى موقف يضطرها إلى الرّد، فيكون الرَّد على الرّد، وتفلت السيطرة من الجانبين.
من جهتها، فإن المقاومة في قطاع غزة لن تندفع إلى المواجهة، لأن تطوّر الأحداث إلى معركة شاملة غير مرغوب فيه، فهي تسعى إلى كسب المزيد من الوقت لتعزيز قدراتها العسكرية، فهي تدرك أن الهجوم الإسرائيلي على القطاع لنزع سلاح المقاومة ووضع شروط إسرائيلية هو مخطط موجود في الدرج، ولا بد أن يأتي في يوم ما، ليخرج إلى حيز التنفيذ، ولهذا تسعى إلى كسب الوقت إعدادًا لهذا اليوم الموعود!
في الوقت ذاته، لا تستطيع المقاومة الصّمت والتجاهل إزاء دخول عشرات الآلاف إلى باحات الأقصى، وستضطر إلى الرّد في حال حصول ذلك، ولهذا يمشي الطرفان على الحافة الخطرة مع الحذر الشديد للحؤول دون التطوّر إلى مواجهة شاملة، لا يريدها الطرفان في الوقت الحالي.
حسابات إسرائيل العسكرية لم تعد كما كانت في الماضي، فالعدوان يواجه برد فوري، رغم الخسائر الكبيرة التي يسببها للطرف الآخر، فالمقاومة باتت قادرة على شلّ الحركة في مناطق واسعة من المركز إلى الجنوب، بما في ذلك حركة الطيران المدني، والغارات الجوية لوحدها لا تحسم معركة، وقد تستمر لعدة أسابيع، مع ما يرافق ذلك من صافرات إنذار في كل المناطق التي تصل حيفا، تسقط خلالها آلاف الصواريخ على مناطق واسعة من المركز والجنوب تشلّها، ولهذا فهي مع “مسيرة أعلام” ولكن في حذر شديد من التدهور إلى مواجهة مع المقاومة.
من جانبه، حذّر “حزب الله” من مغبة دخول “مسيرة الأعلام” إلى باحات الأقصى، وبأنه لن يقف متفرجًا! ولكنه في الوقت ذاته غير متحمّس إلى المواجهة، فوضعه غير مستقر على السَّاحة اللبنانية، كذلك فإنه لن يخوض مواجهة، من دون توقيت ملائم للوضع الإيراني الحسّاس جدًا في هذه المرحلة.
في الوقت ذاته لن يستطيع التراجع أو الصمت في حال تمادت “مسيرة الأعلام” بدخول الآلاف إلى ساحات الأقصى، واضطرت المقاومة في قطاع غزة إلى الرّد، ثم اتساع المواجهة لأيام يضع “حزب الله” في موقف حرج.
ما يقلق حكومة إسرائيل أكثر في الوقت الراهن بإلحاح هو الشَّأن النووي الإيراني، وشعور أصحاب القرار، أنهم في سباق مع الزمن، وهي القضية الأمنية المركزية، إلا أن إسرائيل غير قادرة على خوض حرب ضد إيران لوحدها وبدون تنسيق كامل مع أميركا، إلا أن أميركا بإدارة جو بايدن غير متحمّسة إلى تفجير الوضع مع إيران.
وازداد هذا التّوجه الأميركي في عدم التصعيد مع إيران بعد الحرب في أوكرانيا وتطوّر العلاقة والتعاون الصيني الروسي الذي يهدد ضعضعة واقع القطب الواحد، ولهذا تسعى إلى توقيع اتفاق سلمي مع إيران، وهو ما لا يتطابق مع رؤية الأجهزة الأمنية في إسرائيل، التي ترى في أي اتفاق سلمي خدمة لإيران، لأنه يحرِّرُها من العقوبات الاقتصادية، الأمر الذي يعني إضافة قوة لها ولحلفائها في المنطقة.
من جهتها، فالمعارضة برئاسة نتنياهو غير معنية بمواجهة مع المقاومة، وذلك كي تتمسك بادعائها بأن ضعف هذه الحكومة وعدم قدرتها على الرّد بسبب حلفائها من اليسار والعرب يمنعها من الدخول في مواجهة مع الفصائل في غزة، وبأن نتنياهو هو الوحيد القادر على اتخاذ قرارات صعبة مثل المواجهة العسكرية مع المقاومة.
من جهة، فإن همّ إيران هو رفع العقوبات الاقتصادية عنها دون التنازل عن برنامجها النووي، وهو ما فعلته طيلة السنين السابقة، الشّد والإرخاء، في دبلوماسية محنكة تتحايد الصدام المباشر مع أميركا وحلفائها رغم استفزازات إسرائيل الكثيرة وآخرها اغتيال ضابط وقصف قاعدة إيرانية بطائرة من غير طيّار، قد تكون بتنسيق مع أحد حلفائها في المنطقة.
نضيف إلى هذه العوامل موقف أميركا التي تطالب بالتهدئة في القدس بشكل خاص! هذا يعني ببساطة تأجيل مواجهات حتمية، إلا إذا فقدت الأطراف السيطرة بسبب حادث غير متوقع يجر الجميع إلى مواجهة مثل سقوط أعداد كبيرة من الضحايا.