أضغاث صحوتي.. ذاكرة دخانية
منال رضوان | أديبة مصرية
(لقد نسيت اسم معلمة اللغة الإنجليزية في مرحلة دراستي الثانوية وها أنا أتشدق بذكرياتي على صفحات التواصل!
إلى هذا الحد يمكن أن تهزمني الذاكرة؟
معلمتي، أيتها العروس القادمة من الزقازيق ابنة العمدة وأخت الباشمهندس…
كيف لكِ أن تغادري ذاكرتي البائسة بهذه السهولة؟
ألهذا الحد أصبحت ذكرياتي هشة ضعيفة؟
صديقتي، يا من رأيت ذات يوم أنني أصلح للصداقة والكتابة والتوثيق، أنا ابنة الذاكرة الملآنة بالوجع، هذا القلب يذكرك والسنوات كعادتها خرساء عاجزة…)
كان لزامًا علي أن أغير عنوان حكايتي ومقدمتها أيضًا، فبعد شروعي في كتابة إحدى ذكرياتي عن مرحلة دراستي الثانوية، وهي ليست ملآنة بالأحداث والشخوص مقارنة بالمرحلة الإعدادية، باستثناء صديقتي ‘دعاء حسن عبد العزيز’ ومعلمتي التي حاولت في استجداءٍ لعقلي أن أذكر اسمها، وبعد ساعات نجحت في محاولتي، لكنني قررت استبدال عنوان ‘ذاكرة دخانية’ بعنواني الأول؛ وكأنني أردت تهذيب ذاتي وتوبيخ ذاكرتي على هذا النكران غير المبرر.
كنت في الصف الأول الثانوي ونتيجة الانتقال إلى مدرسة جديدة – لم تكن الألطف على الاطلاق – شعرت بعزلة شديدة إلا من بعض الصديقات المنتقلات معي إلى مدرسة طه حسين الثانوية بنات بمنطقة ‘رشدي’ وفق مبدأ التنسيق الجغرافي.
عقب شهر أو ما يزيد قليلًا وفدت إلينا معلمة اللغة الإنجليزية الأستاذة ‘إيناس عبد الكريم’ والتي انتقلت لظروف زواجها من كيميائي سكندري، بدت “مس إيناس” منفعلة عنيفة، حتى أنها في اللحظات الأولى قامت بتمزيق كراس مدرسي لإحدى الطالبات، ولأنني- دائمًا – أفضل الجلوس في المقاعد الخلفية جاءت للوقوف إلى جواري، ولا أعرف إن كان من الملائم ذكر هذا أم لا، لكنني آثرت تلمس طريق البوح منذ أن قررت الكتابة..
– بدت معلمتنا الجديدة قلقة، تتصبب عرقًا وتحاول في حدة أن ترفع من نبرة صوتها أثناء قراءة أحد مقاطع ‘ديكنز’، لكنها وبعد تمزيق كراس ‘نسرين’ ظلت مستندة إلى الحائط حتى استمعت إلى الجرس، فإتخذت طريقها مسرعة إلى غرفة المعلمين، وكأنها أزاحت عن عاتقها هموم العالم!
وقتها كنت قد استأذنت والدتي ف رفع مستوى لغتي، وتركت لي مهمة اختيار المعلمة التي أستطيع أن أكون معها أكثر استيعابا واتفقنا على أن أطلب مساعدة ‘مس إنعام’ والتي وبالمصادفة تركتنا في اليوم ذاته بعد أن أخبرتنا مبتسمة : –
– ”جاية لكم مدرسة جديدة من الزقازيق وهي عروسة صغيرة ياريت تبقوا لطاف معاها “،
ولم يكن في ابتعاد الأستاذة إنعام ما يمنعني عن مفاتحتها في شأن الدرس الخاص؛ فهي ماتزال على قوة المدرسة، لكنني في تصرف غير مفهوم اتجهت إلى “مس إيناس” قائلة:
– “مس”، ممكن أتكلم مع حضرتك؟
وافقت، واصطحبتني إلى خارج الحجرة، فبادرتها بطلبي.
– “حابة آخد درس معكِ”
– تعجبت جدًا، حتى أنها ظلت طوال العام تسألني السؤال الذي لم أتمكن معه من الإجابة :-
” لماذا طلبت مني ذلك وفي اليوم الأول؛ رغم أنني كنت حاسمة معكن جدًا ربما إلى حد العنف؟!”
– الآن أستاذتي يمكنني الإجابة، فأنا كعادتي أمتلك الجرأة فقط.. على الأوراق.
لقد شعرت أنك مثلي تنتقلين إلى حياة جديدة، ولا أعرف هل إدراكي وتقديري وحرصي على مشاعر الآخرين كان ملازمًا لي منذ ذلك الوقت المبكر، شعرت أنك ستساعدينني في اجتياز دروسي، لكن حدث بيننا من حكايات بعد ذلك جعلك تخبرين الجميع بأنني رغم حداثة سني قد ساعدتك في اجتياز مرحلة انتقالية مهمة في حياتك!!
أتذكرين يوم أن عقدنا معًا رهان الجنيه ؟!
وللحديث بقية.