فقر لا يزعج الفقراء
زيد الطهراوي | الأردن
تنتابني حالة من الجمود وأنا أقرأ لبعض الكتاب الذين يكثرون من المقالات التي تصف حال المواطن العربي بالضيق المادي الشديد؛ ذلك أن مشكلة أي مواطن في العالم لا تتلخص بسهولة كهذه وبكلمات قليلة هي الفقر فتلخيص المشكلة بحذف جميع أسبابها و الاتكاء على سبب واحد قد لا يكون سبباً بل هو نتيجة لا يحل المشكلة بل يزيدها تفاقماً لأنه يصرف عن تأمل الأسباب الحقيقيةوعلاجها مما يؤدي الى رسوخها في المجتمع وصعوبة علاجها.
ولقد عانى النبي – صلى الله عليه وسلم – من الفقر وغيره من الابتلاءات فما زاده ذلك الا صبراً وايماناً ورضى بما قسم الله عز وجل و قدره ولكن الكتاب الذين يثيرون مشكلة الفقر انما يثيرونها ليضربوا بكل ما أوتوا من قوة في قلب الفساد
وأين القوة في طرح هذه المشكلة؟ أهي في القول لهم: أنظروا الى آثار إفسادكم: هذا الفقر المضني. ولكن السؤال الذي يظهر جلياً على شاشة الواقع هو : هل الفقر أثر من الآثار أم أنه يقف شامخاً ليكون هو الأثر الوحيد؟ ان الذي يستحق أن يكون الأثر الوحيد هو عدم استجابة الدعاء من العبد اذا دعا لأنه دليل على أن الله غير راض عنا.
ومن الآثار كذلك: شيوع القطيعة والعداوات والمشاجرات والأحقاد ومن الآثار كذلك الحياة النكدة والآلام النفسية التي تحدث للفقير وللغني اذا أعرضا عن ذكر الله وكل هذا آثار للبعد عن الله والإفساد في الأرض. أيها الكتاب: مسؤوليتكم عظيمة جداً وهي أن توضحوا للناس الأسباب الحقيقية لما نحن فيه من الذل وضيق العيش المادي والنفسي، وكل هذا يهون لو أننا علمنا أن الله عز وجل راض علينا.. فرق بين أن يبتلينا الله عز وجل بالعذاب والخوف والجوع ليرفع درجتنا في جنته وبين أن تكون هذه المصائب عقوبة لنا ينتقم الله بها منا لبعدنا عنه. قال الله تبارك وتعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)
وكما قال المفسرون قوله تبارك وتعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) أي : ومن يتق الله فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه يجعل له من أمره مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي : من جهة لا تخطر بباله) مخرج من الكرب وسعة في الرزق كل هذا للأتقياء
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَبْغُونِي الضُّعَفَاءَ؛ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ” (أبغوني) أي: اطلبوا لي، فالضعفاء المنشغلون بطاعة الله البعيدون عن معصيته هم الذين ينصرهم الله ويرزقهم وينصر ويرزق بهم.
وإلى أن ينهض المجتمع لتنمية الوازع الديني بالتوبة من السرقة والرشوة والفاحشة والتبرج وغيرها من المهلكات. فإن الفقر سيظل أثراً من الآثار التي تنذر بالخسران في الحياة الآخرة الأبقى يوم نعرض على ربنا سبحانه وتعالى مع ما نعانيه في هذه الحياة الدنيا وأختم بقول الله تبارك وتعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون (41) قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين ( 42 )) .