معاملات الطرد المركزي

د. طارق محمد حامد

الوطنية و ما يتعلق بها من مشاعر الحب والحنين لا يختلف عليها أحد خاصة لدينا نحن العرب والمصريين بصفة خاصة و الوطنية جزء لا يتجزأ من إسلامنا وكذلك كونه مقترنا بالشخصية الاعتبارية للعرب والمسلمين ولقد تمثل حب الأوطان في فراق النبي صلى الله عليه وسلم وطنه بسبب قومه من قريش الذين رفضوا دعوته وأذاقوه وأصحابه صنوف وألوان التنكيل والتعذيب فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكرهين و كانت كلمة النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم إنك  أحب بلاد الله إلي الله وأحب بلاد الله إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت، وفي المدينة لما تذاكر بلال وأصيل ربوع مكة وأنشد أصيل  هذا الحنين في أبيات من الشعر قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: يا أصيل دع القلوب تقر.

واليوم نري الكفاءات العلمية والعملية والرياضية والاقتصادية وكذلك السياسية تترك الأوطان علي مضض ومكرهة وتختار اللجوء إلى دول أخري ويختلف علي فعلها الفئام من الناس وتتباري أبواق الإعلام بوصمها بالخيانة والعمالة وعدم الوطنية ولم يقفوا طويلا بالبحث والتنقيب عن الأسباب التي جعلت هؤلاء يقومون بهذا الفعل الذي استهجنه البعض واستقر في وجدان الكثيرين حتي إذا أتيحت لهم الفرصة فعلوا مثل فعلهم

حتي الذين استهجنوا هذا الفعل باتوا في تناقض مع ردة فعلهم و انفصام في الشخصية فهم يهاجمون من خرج من البلد مكرها أو مريدا لبلد آخر يشعر فيه بالكرامة والتقدير والاحترام و في الوقت ذاته يرسلون أولادهم ليتعلموا في هذه البلاد بل  ليحصلوا علي الجنسية لهذه البلاد، كذلك يهرول فنانوهم وإعلاميهم وسياسيوهم إلي هذه البلاد ليل نهار ويضعون ثرواتهم في بنوكها ويستثمرون في بورصاتها حتي إذا ما جد جدهم قفزوا في الطائرات راحلين إلي هذه البلاد لا يلوون علي شيء في أوطانهم بعد خرابها.

و لو كانوا منصفين لقالوا بأن من يذهب لبلد آخر ممثلا إياه في رياضة ما أو بحث علمي أو طلبا لعمل ما لقالوا أن من يترك وطنه لأسباب الفقر و الجهل و المرض والشعور بعدم الأمان و انعدام الاحترام والتقدير والاستقرار النفسي والشعور بأن وطنه مستباحا وثرواته منهوبة من طغمة تسلطوا عليها واعتلوا عروشها فأكلوا خيراتها ولم يبقي لشعبها إلا الفتات في الثروات والمناصب العليا والقيادية والسيادية كما يطلق عليها في بلادنا

وهذه هي معاملات الطرد المركزي التي تجعل الكفاءات والقامات العلمية والعملية والرياضية والاقتصادية والسياسية تترك الأوطان لا لخيانة أو تجرد من الوطنية و لكن لمجرد الشعور بالأمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى