الأشوريون من سلالة سام أب آشور ومن أقدم الشعوب التي اعتنقت المسيحية
د. حنا عيسى | فلسطين
“أصل التسمية هم من علّموا العالم الابجدية والحضارة، وساهموا في تأسيس علم الفلك” بحسب زومايا. واشتهر الآشوريون بصيد الأسود، وعرفوا بالقوة والبأس، ومن أشهر إبداعاتهم تطوير وسائل الدفاع والحصار وأدوات القتال. وبرزوا في فنّ النحت”
“بنى الآشوريون الكنائس، وترجموا الكتاب المقدّس إلى السريانية، وكذلك كتابات أرسطو وكلوديوس. وقد انتقلت عن طريق الآشوريون العلوم اليونانية، الفلسفة والطبّ إلى العرب”
الاشوريون مجموعة عرقية دينية ساميّة مسيحية تسكن في شمال ما بين النهرين في العراق وسوريا وتركيا وبأعداد أقل في إيران، كما توجد أعداد أخرى في المهجر في الولايات المتحدة ودول أوروبا وخاصة بالسويد وألمانيا. ينتمي أفراد هذه المجموعة العرقية إلى كنائس مسيحية سريانية متعددة ككنيسة السريان الأرثوذكس والكاثوليك والكنيسة الكلدانية وكنيسة المشرق. كما ويتميزون بلغتهم الأم السريانية وهي لغة سامية شمالية شرقية نشأت كإحدى لهجات الآرامية في مدينة الرها.
والآشوريون من سلالة سام أب آشور، وهو مذكور في تكوين الفصل العاشر (سام ابن نوح). والامبراطورية الاشورية هزمت الكثير من الجيوش ومنحت حضارتها الى الكثير من الأمم الأخرى، الا ان نهايتها كانت مؤسفة في ربيع عام 612 ق م حين قام البابليون والميديون بهجمات قوية لفتح نينوى . وتحالفت قوى الطبيعة أيضاً مع الأعداء لتحطيمها وتخريبها، لأن الأمطار القوية أدت الى فيضان نهر دجلة، فهكذا حطمت السيول الاسوار العالية.
يعتقد الآشوريون/الكلدان/السريان بانحدارهم من عدة حضارات قديمة في الشرق الأوسط أهمها الآشورية والآرامية. كما يعتبرون من أقدم الشعوب التي اعتنقت المسيحية وذلك ابتداءً من القرن الأول الميلادي، فساهموا في تطور هذه الديانة لاهوتياً ونشرها في مناطق آسيا الوسطى والهند والصين. وعملت الانقسامات الكنسية التي حلت بهم على انفصالهم إلى شرقيين (آشوريون وكلدان، وغربيين، سريان)، كما حدثت اختلافات لغوية بين السريانية الخاصة بالمشاركة وتلك الغربية. كما ساهموا في ازدهار الحضارة العربية الإسلامية في بلاد المشرق وخاصة في عهد الدولة الأموية والعباسية. غير أن المجازر التي حلت بهم ابتداء بتيمورلنك في القرن الرابع عشر مروراً ببدر خان بداية القرن التاسع عشر أدت إلى تناقص أعدادهم كما تقلص عددهم بأكثر من النصف بسبب المذابح الآشورية عشية الحرب العالمية الأولى. وشهد النصف الثاني من القرن العشرين هجرة العديد منهم إلى دول أوروبا وأمريكا، كما أدت حرب الخليج الثالثة والانفلات الأمني الذي تبعها إلى تقلص أعدادهم بشكل كبير في العراق بعد نزوح مئات الآلاف منهم إلى دول الجوار وخاصة سوريا.
واشتهر الاشريون بتشييد التّماثيل على شكل ثيران مجنّحة برؤوس بشريّة كانو يضعونها أمام قصورهم ومبانيهم، كما أخذت الدّولة الأشوريّة طابعًا عسكريًّا بسبب النّزاعات المستمرّة بينهم وبين البابليين والآراميين؛ حيث كان إلاههم آشور يصوّر دائمًا بصورة محارب عنيف، وكذلك زوجة الإله عشتار، وقد كان الآشوريّون يكتبون على ألواح الطّين الّتي سمّيت بالكتابة المسماريّة، والتي ساهمت بنقل كثيرٍ من الأدب الآشوري وبقائه لآلاف السّنين، ومنه ملحمة جلشامش الأسطوريّة، وقد اشتهر الآشوريّون بالزّراعة إلى جانب التّجارة، كما اعتمدوا التّقويم القمري في حساباتهم الفلكيّة، وكان من أبرز ملوك الأشوريين آشوربانيبال، وسنحاريب، وسرجون الثّاني.
استمرارية الآشورية
هناك اتجاه عام لدى الباحثين لاعتبار أن الآشوريين الحاليين انحدروا أصلا من الآشوريين الذين كونوا الإمبراطورية الآشورية، فهنري ساغس أحد أهم علماء الآشوريات ذكر أن: “سقوط الإمبراطورية الآشورية لم يعن نهاية شعبها… عمل هؤلاء في الزراعة وأصبحوا مسيحيين بعد سبع أو ثمان قرون”. كما يوضح سيمو بربولا أن اكتشاف رقم آرامية تحتوي على أسماء آشورية في منطقة الخابور بسوريا بعد سقوط نينوى بقرون يؤكد وجود قرى آشورية بتلك المنطقة. كما دعم هذا الرأي كل من عالم الإيرانيات ريتشارد فراي وعالما آثار القرن التاسع عشر أوستن لايارد وهرمز رسام، بينما يقبل عالم الآشوريات روبرت بيغس هذه الفرضية بحذر، ويرفضها باحث تاريخ الشرق الأدنى روبرت بيكر.
اللغة
كانت الأكادية، التي تنتمي لعائلة اللغات السامية الشرقية هي اللغة الأم للآشوريين القدماء. وقد انتشرت هذه اللغة منذ الألف الثالث قبل الميلاد في وسط وشمال بلاد ما بين النهرين وكذلك في منطقة الجزيرة السورية. غير أن ظهور الآرامية، وهي لغة سامية شمالية شرقية، بالألف الأول جعلها تصبح اللغة الرسمية للإمبراطورية الآشورية وذلك لبساطتها وسهولة كتابتها مقارنة بالكتابة المسمارية التي استعملت في كتابة الأكادية. واستمر نمو هذه اللغة خلال عهد الإمبراطورية الأخمينية فأضحت هي اللغة الرسمية لها. وبحلول المسيحية كان للآرامية انتشار واسعة فحلت محل معظم اللغات التي انتشرت في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط كالفينيقية والعبرية وأصبحت لغة عدة ممالك نشأت في تلك المنطقة مثل حدياب والحضر والرها وتدمر والأنباط بالإضافة إلى انتشارها في معظم مدن سوريا والعراق.
وبحلول القرن الأول قبل الميلاد بدأت آرامية مدينة الرها تطغى على غيرها من اللهجات الآرامية، وأصبحت هذه اللغة تسمى بالسريانية نسبة إلى منطقة نشوئها بسوريا. وقد تكرست هذه الهيمنة بظهور الرها كمركز مسيحي هام وانتشار المدارس اللاهوتية في الرها ونصيبين. وتعتبر الفترة ما بين القرن الرابع والسادس الميلادي العصر الذهبي للغة السريانية فيها ظهرت العديد من الكتابات الفلسفية واللاهوتية، وذلك بالرغم من محاولات الإمبراطورية البيزنطية فرض اللغة والثقافة اليونانية. وبدأت اللغة السريانية بالتراجع بمجيء اللغة العربية فأصبحت معظم مناطق العراق وسوريا تتحدث العربية كلغة يومية بحلول القرن العاشر الميلادي. كما ساهمت الغزوات المغولية ومجازر تيمورلنك في تراجع هذه اللغة. فآلت اللغة العربية هي اللغة الرئيسية لدى سريان المدن خلال فترة حكم الدولة العثمانية. وبالرغم من ظهور انتعاش بأواخر القرن التاسع عشر إلا أن مذابح سيفو خلال الحرب العالمية الأولى جعلت معظم سريان جنوب شرق الأناضول ينزحون إلى العراق وسوريا حيث أدت سياسة هذه الدول لاحقا إلى فرض اللغة العربية ومنع تداول السريانية في المؤسسات التعليمية. وأدى سقوط نظام صدام حسين بعد غزو العراق إلى انتشار مدارس التعليم السرياني في عدة مناطق بشمال العراق وخاصة بمنطقة سهل نينوى ومدينة دهوك وبعض القرى المسيحية في إقليم كردستان العراق كما يتم تعليم السريانية بلهجتيها في بعض المدارس الحكومية بالسويد.