إفلاس نظرية التأثير من الداخل
سهيل كيوان | فلسطين
التفكير بالتأثير من الداخل ليس جديداً، فقد كان هناك من زعم هذا من قبل، وكان هذا غطاء لدخول بعضهم في حزب العمل الحاكم لفترة طويلة بلا منازع، ثم جاء الليكود ودخل في عضويته بعض العرب، الذين زعموا رغبتهم وقدرتهم على التأثير من الداخل، وادعوا أن المعارضة عاقر لن تفيدنا بشيء.
في الحقيقة أنها كانت مواقف شخصية، هدفها الوصول إلى مراكز تخدم مصالحهم بشكل شخصي أوّلا، جرى تغليفها بالصالح العام، أو البراغماتية، والحصول على المقدور عليه، كي لا نخسر البقيّة الباقية.
ضرب دعاة التأثير من الداخل مثالا، تأثير اليهود من داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي على سياسة الحزب، رغم الاختلاف الجوهري بين الحالتين، فالدولة الأمريكية لا تسعى لطرد اليهود في أمريكا، ولا تقوم على محاصرتهم في مناطق تضع كل العوائق لمنع توسّعها، ولا تحاربهم اقتصادياً وتفقرهم، ولا تحارب شعبهم وتحتله وتنكل به يومياً، بالعكس فاليهود في أمريكا في صدر البيت، والجميع يحاول استرضاءهم وتلبية مصالحهم. العنصرية وحرمان العرب من الحقوق هو أمر طبيعي جدًا ومن لب بنية الدولة، فقد قامت الحركة الصهيونية، ممثلة بالدولة لخدمة مصالح شعب في هذه البلاد وليس لخدمة شعبين، بل على حساب الشعب الآخر، فمن أين ستحضر الحركة الصهيونية الأرض لاستيطانها، وماذا ستفعل لضمان أكثرية يهودية في كل منطقة ومدينة وبلدة؟ فلنتخيل للحظات أن الحركة الصهيونية والمؤسسات التابعة لها تنازلت عن عنصريتها، وصارت تبني قرى جديدة للعرب على أراضي الدولة، كما تفعل للمواطنين اليهود، ولنتخيّل أن الدولة تمنح للعرب ميزانيات للتعليم والزراعة والبناء والتطوير والأبحاث، مساوية لتلك التي تمنح لليهود، وأن تفتح المجال أمام استيعاب العرب في المراكز المهمة وفي الصناعات الحسّاسة، فماذا سيبقى من كيان الحركة الصهيونية؟ طبيعي جدًا أن تكون الدولة عنصرية تجاه العرب، فهم عائق يجب إضعافه وليس تقويته، بل إن بقاءهم هو خطأ تاريخي ما زالت بعض قيادات تفكر بإصلاحه.
لقد حاولت القائمة العربية الموحّدة بقيادة منصور عباس أن تقفز عن الهوة الطبيعية الشاسعة التي بُنيت بإحكام على مدار عقود، من خلال منح الحياة لحكومة يمينية استيطانية متطرّفة، مقابل تحقيق بعض الإنجازات المادية للعرب، مثل الميزانيات الكبيرة، ووقف عمليات الطرد السكاني ومصادرة الأرض في النقب، وتوصيل عشرات آلاف المنازل غير المرخصة بشبكة الكهرباء العامة لتسهيل ترخيصها مستقبلا! إلا أن الذي حدث هو أنها قدّمت عملية إحياء اصطناعية لحكومة جوهرها التطرف، وما يجمع أطرافها هو منع نتنياهو من تشكيل حكومة، وهكذا حملت معها تناقضاتها، وحاولت جميع أطرافها التعالي فوق التناقضات وتجاهلها لكسب المزيد من الوقت لهذه الحكومة! ولكن التصويت الأخير كان غير قابل للتجسير، وهو تمديد القانون الذي يمنح المستوطنين مكانة قانونية مثل المواطن الإسرائيلي العادي، ويبقي قوانين الحكم العسكري ضد الفلسطينيين، وهذا يعني لو وافقت الموحدة عليه، كان عبارة توقيع على شرعية الاحتلال الذي يرفضه العالم أجمع. كان يمكن تمرير القانون بسهولة لو صوّت الليكود أو أحد حلفائه من اليمين الكاهاني حسب مبادئه الاستيطانية، لكنهم رفضوا التصويت، بهدف التعجيل في إسقاط الحكومة، بينما امتنعت الموحدة وكذلك عضو عربي من حزب ميرتس. لقد أثبتت تجربة الموحّدة فشل نظرية التأثير من الداخل، وبأن الحقوق لا تُحصّل إلا من خلال النضال ورفع الصوت بقوة والتحريض ضد الظلم والغبن وتجنيد أصوات محلية ودولية للضغط على أصحاب القرار، إلى جانب النضال الجماهيري. الحقيقة أن الإعلام العبري لعب دورا كبيرا في وصف خطوة الموحدة بقيادة عباس بالتاريخية، وبأنها كسر للحواجز وتفكير خارج العلبة إلخ، ولكن الواقع هو الواقع، هنالك شعب يقبع تحت الاحتلال وحركة صهيونية استيطانية إحلالية، ولا يمكن لفكر العنصرية أن يتصالح مع فكر وطموح العدل والمساواة والكرامة القومية الذي ينشده شعبنا في كل مواقعه. أخطأت الموحدة بربط الحصول على ميزانيات وعلى حقوق من المفروض أن تكون بديهية، بالتصويت إلى جانب حكومة والدخول في ائتلافها، وهو موقف وضعها في مواقف حرجة لا تمثل أكثرية جمهور الموحّدة.
الخلاصة هي أن حقوقنا في الدّاخل غير منفصلة عن القضية العامة، ووحدة المضطهدين هي شرط أساسي لنجاح نضالهم ونيل حقوقهم.