لا أهلي ولا جاري

الشاعرة والناقدة السورية ثناء حاج صالح / ألمانيا

قُصِّي الحكايةَ عن أحزان جالسةٍ
على مشارفِ أحجارٍ وأنهارِ

والماءُ صفحةُ بِلَّوْرٍ مُمَرَّدَةٍ
تحت المياهِ سحابٌ تحت أشجارِ

لو تنهضينَ وسقفُ الليلِ مُنخفِضٌ
لاحتزتِ بعضَ نُجيماتٍ وأقمارِ

مَرّ النهارُعلى الذكرى فَبَيَّضَها
يا ليتَ بَـيَّضَ أيامي وأقداري

كيف اصطباري عن ذِكْرى الشآمِ وقد
جفَّتْ دموعي من أوجاع تِذكارِ

ملحٌ تَحَجَّر في عَينيَّ أحسَبُه
حبراً تخثَّرَ في غيماتِ أمطاري

قالوا الشآمُ خراباً باتَ مَنظَرُها
تفديكِ روحيَ يا معمورةَ الدارِ

حالي وحالكِ والأنقاضُ تغمرُنا
كمن يقايضُ أعماراً بإعمارِ

قومي لننهض من أشلائنا شجرا
نحشو الربيع بأطيار وأزهارِ

بعضُ العيونِ إذا ما أُغلِقَتْ فتحتْ
وَجْهَ الصخورِ بِـيَنْبوعٍ وتيَّـارِ

دوني ودونكِ أضواءٌ نخاصرُها
نستحلبُ النور من أثداء أقمار

كم ذا اشتهيتُ بِماء الشمسِ مُغتَسَلاً
يُحيي العِظامَ بِشلَّالات أنوارِ

لكن مُنِعتُ وجدراني تحاصرُني
عن رَمْقِ شمسِ صباحاتٍ بأنظاري

كنتُ السجينةَ لم أمرقْ بروحيَ من
جدرانِ سجْنيَ كي أحظى بِزُوَّار

كنتُ الطريدةَ من نارينِ ذقتُهما
أخشى التسلُّلَ من نارٍ إلى نارِ

ماذا جنيتُ لكي في الريحِ يدفعَني
حتى استندتُ على واهٍ ومنهارِ

عذري: بقيدِ حديدِ الخوفِ قد صُفِدَتْ
مني الشفاهُ وما أبديتُ أعذاري

كنتُ الصغيرةَ لم أعضُضْ أياديَ من
جَـزُّوا يَدَيَّ ولم أجرحْ بأظفاري

لكن غُلِبتُ وخابَ (الحُرُّ) يغلِبُني
لمَّا تفاخَرَ قدَّامي بإجباري

لا أبتغي الحُبَّ ممن كنتُ أُطعمُه
وبيْ تَضَوُّرُ من عاشوا بإعسار

فاستقبلَ الرغْدَ حين الرغدُ عَرَّفَه
بما تيسَّرَ من هجري وإنكاري

يُغلي الرخيصَ إذا ما صارَ لي طَلَباً
حتى يُرخِّصَ من شأني ومقداري

مَنْ راهنَ الناسَ إن مُصًّتْ مُصولُ دَمي
أنِّي أعيشُ على صبري وإيثاري

من ذا أباحَ لمن بالصلبِ هَدَّدني
حرْقَ الصحائفِ أو تقطيعَ أوتاري

أغضَيتُ عنه وقد تُغضي الكريمةُ عن
عادٍ تَوَعَّـد شِـرياناً بِمْنشارِ

لم أرجُ منه سوى ما قلَّ من ألَمٍ
حتى أكمِّل ساعاتٍ بمشواري

عارٍ بِجَوْرِكَ والصفْعاتُ موجِعَةٌ
ولو لبِسْتَ قِناعَ اللطفِ يا عاري

لا ما قَصَصتَ من الأرياش أوقعَني
ولا مخاوفُ فزَّاعاتِ أطياري

دعْ بعضَ قهري للتاريخ أذكرُه
وارحلْ بأوَّلِ إشعارٍ وإنذار

وابعد كأنَّك لا ذكرى أراودُها
ولا كأنَّك من أهلي ولا جاري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى