عند مفترق الطرق: “نافع” الصحافة 31 / 3
محمد حسين | مصر
تحدثت الأحد الماضى عن قصة العدد التجريبى الوحيد، الذى صدر لصحيفة <الاهرام المسائى>، وذكرت أسماء فريق العمل الذى قضى ليلته ، يعمل حتى الصباح ، وأدى المهمة التى كانت تبدو مستحيلة بنجاح .
اما قصة الذى حدث صباح الصدور ، وبعد أن تم توزيع العدد <زيرو> على أعضاء مجلس تحرير < الأهرام > فى إجتماعه الصباحى ، لإبدا الرأى والتقييم ، وسط دهشة الجميع من المفأجأة ، فقد كنت الشاهد الوحيد عليه ، وكان المكان هو مكتب الأستاذ < إبراهيم نافع > – رحمة الله عليه -رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير .
القصة المجهولة التى لم أحكيها من قبل ، إنه عقب أجتماع مجلس التحرير ، نظر إلى الأستاذ < إبراهيم > مبتسما ومداعبا – كعادته معى – وحين غادر قاعة الاجتماعات ، أشار إلى أن اصطحبه ألى مكتبه ، ولم يكد يدخل مكتبه ويجلس على مقعده ، حتى أقتحم المكتب الأستاذ < محمد زايد > مدير التحرير – رحمة الله عليه – وكان غاضبا لدرجة لم يلحظ وجودى ، وقال بصوت محتد : < معقولة ياإبراهيم ، تصدر الأهرام جريدة يومية وانا لست رئيسا لتحريرها ، ولماذا مرسى عطالله؟! >.
اردت مغادرة المكان فطلب منى الأستاذ < إبراهيم > أن أبقى، وكنت أعلم قوة العلاقة بينهما ، التى تسمح للأستاذ < زايد > أن يخاطبه بأسمه مجردا من أية ألقاب .
بهدوئه المعتاد وإبتسامته الودودة ، رد على < زايد> ، بعد أن طلب منه أن يجلس ويهدأ ، بأن المسألة ليست أشخاصا ، ولكن كفاءة وقدرات على إنجاز العمل المطلوب ، وأن < عطالله > هو أنسب من يقوم بهذه المهمة الصعبة ، لأنه يمارس بإقتدار الصحافة اليومية بإيقاعها السريع ، يينما أنت – يقصد زايد – إيقاعك يميل إلى العمل ألاسبوعى من صفحات وملاحق، وأن < الاهرام > يعد لمشروعات صحفية ، تتيح الفرص للجميع أن يحقق أحلامه وتطلعاته .
هدأ الاستاذ < زايد > وراح يتبادل الحديث مع الأستاذ < إبراهيم > ، وغادرت المكان بعد ان أذن لى بالخروج ، ولكن بعد المطالبة بمكأفاة كبيرة لفريق العمل .
القصة تكشف عن جوهرا مهنيا أصيلا ، لم يتخل عنه ابدا ألاستاذ < إبراهيم > ، إلا بإستثناءات قليلة ،طوال مسيرته الصحفية الكبيرة والطويلة ، هذا الجوهر يعلى من قيمة الكفاءة والجدارة ، ويقدمها على أية اعتبارات أخرى .
هذه هى القصة التى أردت من خلالها أن اعطى لرجل كبير رحل ، حقه وقدره فى النزاهة والتجرد ، والحقيقة أن الأستاذ < نافع > يعتبر أكثر شخصية صحفية مؤثرة فى تاريخ الصحافة المصرية، خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين ، وهو لم يكن <نافعا> للأهرام فقط ، ولكن للصحافة المصرية والعربية عموما ، وهو الامر الذى سوف اتناولة – بإذن الله – فى سلسلة مقالات قادمة ، سوف أكشف فيها عن سر علاقتى معه ،التى كان يسمح لى فيها بالندية الكاملة ، ورغم ماجلبته لى من مصاعب وحصارا دائما ، بسبب مشاعر الغيرة والحقد ، إلا أن سعادتى بهذه العلاقة فاقت كل ثمن دفعته ، لإنها كانت تنطوى على معنى كبير، حمله لى دأئما هذا الرجل < الإستثنائى > فى تاريخ الاهرام والصحافة المصرية ، وفى تاريخى الشخصى .
فى الختام .. يقول عمرو بن الأهتم :
< لعمرك ماضاقت بلاد بأهلها
ولكن أخلاق الرجال تضيق > .