المواهب الإنسانية
أ.د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري
المواهب الإنسانية متنوعة ومتنامية، ورغم ذلك قلما تجتمع في شخص واحد، وإنما تتوزع بين فئات كثيرة من الناس، والمجتمع الراقي يحسن إدارة المواهب، ويقدر قيمة التعاون، وأفراد هذا المجتمع يرون في تضافر مواهبهم فضيلة كبرى؛ حيث يصير كل فرد مكملاً لنقص الآخر، وتؤول كل موهبة سناداً لأختها المغايرة لها، فيستحيل مجتمعاً منتجاً مبدعاً.
ونقيض ذلك يتجلى في استغناء الفرد بنفسه عن غيره، وانفراده بمواهبه المحدودة، وإغماض عينه عن نقصه، واستهانته بمواهب غيره، والتجهم لها، وهنا يصبح وصول الفرد لمرادهمهما تضاءلصعباً، وبلوغ الغاية في مجتمعه مهما صغرت محالاً.
ولعلنا نعلم جميعاً قصة الأعمى والمقعد؛ فالمقعد رجل قوي البصر، ولكن أقدامه تعجزه عن السير والانطلاق، والأعمى صحيح الأقدام، ولكن عجز بصره يقعده عن الاهتداء؛ فإذا حمل هذا ذاك انتفع كلاهما بالآخر، وحققا سيراً منجزاً في طريق الحياة.
ومواهب الإنسانية العقلية والنفسية تشبه الشبه كله هذه القصة على بساطتها؛ فمن الناس من له بصر بالأمور غير أنه يفقد عزيمة السعي إليها، ومن الناس من له دأبالعمل غير أنه بحاجة إلى قيادة وتوجيه.
وكذلك تختلف أنصبة الناس من المواهب، ولذا فإن التعاون بينهم خير وسيلة تلتقي فيها الجهود، وتذلل بها الصعاب. والفشل متحقق إذا غفل عاجز البصر عن قوة قدميه، وانصرف عن عجز بصره ليحتقر أبصار المبصرين. والإخفاق متيقن إذا غابت عن عاجز الحركة قوة عينيه، وانصرف عن عجز قدميه ليحتقر أقدام الآخرين. والنجاح مؤكد إذا تآزرت عوامل القوة فيما بينهما.
وقد قرأت مرة محاولات الناس لتحديد أسباب النهضة؛ فانبرى كل واحد منهم يكشف عن حقيقتها؛ فالشاعر تصورها خيالاً فقط، والخطيب نطق بها حماسة فقط، والعالم أبصرها بحثاً فقط، والاقتصادي عدها مالاً فقط، والواعظ استشعرها صلاة فقط. والذي لاشك فيه أن النهضة مغزولة من نسيج يضم كل ما سبق.
وأظهر ما يؤخذ على بعض الناس اعتدادهم بالقليل من مواهبهم، واستهانتهم بالكثير من مواهب غيرهم، وضيق نظرهم إلى قدرات غيرهم، فلا يسعون إلى الاستزادة من سعتها، بعد إذ ظنوا أنفسهم وقد أحاطوا بجملتها. وقد غاب عن أمثال هؤلاء أن الوسيلة الناجعة في ربح أي سباق أن يقوي الفرد نفسه بغيره، لا أن يعيق غيره، وإن استكمال أسباب النجاح فيجبر عوامل النقص الذاتي من المجموع البشري. وأشد الناس خطأ من يظن أن بناء نفسه يكمن في هدم غيره؛ فلا يدري أن سقوط حجر في بناء حقيق بألا يرجى معه بقاء، ولا محالة تذهب جهود الجميع هباء.