العشق الستيني قراءة في (طفلُ الستين) للشاعر عبد الرزاق الربيعي

قاسم المشكور |  العراق

أولا – النص:

سألتني
ذات العينين
النجلاويين
_أيا من تقبع
في العتمة
وحدك
من أين؟
إلى أين؟
وماذا تفعل؟
قلت لها
_أتأرجح بين الماضي
والمستقبل
والما بين!
_لم أفهم شيئا
_ما خلق الله بجوفي
من قلبين
*وماذا تعمل؟
_في السوق
أبيع الاحلام
لمن يشتري بالدين
*جنون هذا
_الشعر جنون
وفنون
والأمر سواء
في الحالين
وظل الحال
على هذا المنوال
وكسراَ لجدار الصمت
وتزجيةَ للوقت
إبتسمتْ
عادت تسألني
عني
وفصيلة جرحي
عن سني
فأجبت:
برغم الأخطاء البيض
المنورة في الفودين
ورغم السنين
أظل برحم الأرض جنين.

ثانيا – القراءة
كيف يعيشُ المرءُ حياتهُ؟
وهل نحن مَنْ نصنعُ الحياةَ التي نعيشها؛ أم إننا ندور في فلك الوافدِ من العاداتِ؛ والتقاليدِ الاجتماعيةِ التي ترسمُ طوقاَ حديدياَ يحددُ سلوكياتنا وفقاَ لأعمارنا؟

إنّ الحياةَ الحقيقيةَ التي ينبغي أنْ يعيشها المرءِ هي شعورٌ وإحساسٌ عال بالموجوداتِ يجعلُ النفسَ دائمةَ الخضرةِ؛ حياةٌ كلُ شئ فيها يمثلُ وجوداَ حقيقياَ للذاتِ البشرية.

إننا بإنقيادنا السهلِ لأعرافِ؛ وتقاليدِ الحياةِ القديمةِ إنما نشاركُ في صناعةِ شعورٍ مضادٍ للنفسِ؛ وسوفَ يظلُ هذا الشعورُ ملازماَ لنا؛ وربما تسببَ في تداعياتٍ خطيرةٍ على الصحةِ العامةِ.

الحياةُ وديعةِ الخيالِ الخصبِ؛ فلا حياةٍ دون خيالٍ؛ لأن خروجَ؛ وإبتعادَ الحياةُ من دائرةِ خيالاتنا يعني بالضرورةِ خروجها من دائرة سلوكياتنا.

هناك قواعدٌ سلوكيةٌ صارمةٌ تم وضعها من قبلِ المجتمعِ تقضي بتحريمِ العشقِ على مَنْ تعدى سن الشباب؛ ولا أعلمُ ما الحكمةَ من نزول المجتمعِ عند هذا الرأي؛ وكأنما هو ثابتةٌ دينيةٌ؛ وأخلاقية.

إنّ بعضَ التعاليمِ الإجتماعيةِ تأمرنا انْ نتقبلَ آلام الحياةِ بصدرٍ رحبٍ؛ لكنها لا تعلمنا كيف نعيشُ حياتنا؛ فالإنسان المتألم لا يفقد إحساسهُ بالألمِ لمجرد إنك تتمنى له ذلك دون البحث عن العلاج.

إنّ جميعَ الأوامرِ؛ والنواهي الإجتماعيةِ؛ والتحريضاتِ ضد العشقِ تتحولُ إلى عبثٍ أمامَ قوةِ صبوةِ الحياةِ التي يعيشها العاشقُ؛ وجميعِ اللغاتِ التي تحثنا على تركِ جنونَ الحياةِ تغدو صمتاَ مطبقاَ في مسامعِ العاشقين.

في نصهِ العجيبِ يناقشُ الشاعرُ عبد الرزاق الربيعي قضيةَ العشقِ في سن الستين؛ فيقدمُ تصورات شديدة الجرأةِ؛ وبشجاعةٍ فائقةٍ يذهبُ إلى خرقِ القانون الإجتماعي الذي يعدُ هذا السلوكَ ضرباَ من العبثِ؛ ولعباَ في مناطقٍ محرمةٍ.

أما على مستوى الشكل؛ والصياغة فإن الشاعر إستخدم تقنيةَ الحوارِ الشعري ليقدمَ رؤيتهُ الحياتيةِ؛ وقد نجحَ نجاحا باهراَ في عرض أفكاره الثوريةِ؛ وبدا الأمرُ أمامي وانا أقرأ النصَ كمن يتابعُ بشغفٍ احداثَ مسرحيةٍ من مسرحياتِ العظيمِ شكسبير.