نواقيس الخطر (٢)
رضا راشد | الأزهر الشريف
كثيرة هي الأشياء التي تتطلب دق نواقيس الخطر تنبيها لأمة رانت على بصيرتها غشاوات الغفلة زمانا طويلا.
وأول ناقوس أدقه أصك به مسامع أمتى هو تمكن أعدائنا من أساليب التقنية العلمية ولاسيما وسائل التواصل الاجتماعي، ففي الأيام الماضية وبينما كانت الأحداث المستعرة حول ببيت المقدس وفي غزة الأبية تزلزل قلوبنا، كانت هناك معركة أخرى توازي المعركة على الأرض، تدور رحاها على صفحات التواصل الاجتماعي ما بين أنصار الحق وأهل الباطل.
وإذا كان الفريقان المتعاركان في المعارك الحربية يحرص كل منهما على أن يتخذ لنفسه من أرض المعركة المكان المكين الأعلى الذي يستطيع منه أن يجهز على عدوه، تاركا لعدوه المكان الأدنى الذي لا يستطيع منه أن يحرز نصرا أو يحقق غاية (كما حدث في كثير من الغزوات ومنها مثلا غزوة بدر وموقعة عين جالوت ..إلخ)=إذا كان ذلك فإن أنصار الحق من المسلمين العرب وغير العرب في هذه المعركة لم يجدوا لهم أرضا تقلهم ولا ميدانا يأويهم إلا بشيء من التحايل والسرقة الخفية ، ذلك أن أرض المعركة الألكترونية قد استحوذ عليها كلها العدو، بما كان من امتلاكه كل هذه الوسائل، فلا غرو أن كانت متحيزة تحيزا كاملا لعدونا.
فهذه إدارة الفيس بوك قد شرعت الحظر المؤقت والتهديد بالحظر الدائم وإغلاق الحساب نهائيا- سيوفَ إرهاب في وجه من تسول له نفسه (الأمارة بالخير طبعا) أن ينشر منشورا يندد فيه بالكيان الص،هيوني ..حتى أضحت هناك مفردات بعينها إن ذكرت في مقالة أو منشور جعلته تحت مقصلة الحظر.
لقد كممت أفواهنا وكسرت أقلامنا بما كان من هذا الجرم من إدارة الفيس بوك ، حتى اضطر الناس إلى التحايل تمريرا لمنشوراتهم وتفلتا من العقاب المنتظر : حجبا أو حظرا أو إغلاقا نهائيا:فمن الناس من لجأ إلى تفريد حروف هذه الكلمات المحظور تداولها واستخدامها بما جعل كل حرف من إخوته من حروف الكلمة كأنه في جزيرة معزولة ، ومنهم من من لاذ إلى ترك مسافة بين حروف الكلمة الواحدة حتى تبدو الكلمة وكأنها كلمتان، ومنهم من زاوج بين حروف العربية وحروف الإنجليزية .
وإنه والله لعار على أمة الإسلام أن يبلغ بها الضعف والهوان ألا يكون لها بوق في معاركها الفاصلة إلا ما يملكه عدوها فيتحكم فيما تقوله: إباحة أو حظرا. ولئن قبلت هذه الحيل حلا مؤقتا يلاذ به بلوغا لهدف محتم بلوغه في الوقت الحالي، فإنه ليس بالمقبول أن تستمر بنا هذه التبعية أبدا وألا يكون لنا محاولات للتحرر من قبضة عدونا .
إن هذا الأمر يدق فينا ناقوس الخطر أن يا أمة الإسلام استيقظي، وانفضي عن أرديتك غبار الكسل، وهبي للجهاد في كل الميادين ولا سيما مجال البرمجة والتكنولوجيا، واعلمي أن أمة لن تنتصر وسلاحها بيد عدوها يعطيها ما يشاء ويمنع عنها ما يشاء.
إن هذا يوجب علينا -كما نعد الجيوش العسكرية ونسلحها وننفق عليها مكنوز الأمة- أن نعد جيشا من خيرة شباب المبدعين في مجال البرمجة، وأن ننفق على تعليمه وتدريبه ما هم بحاجة إليه، وأن نسخو في ذلك بعض سخائنا في الإنفاق على الهزل:رياضة أو فنا أو رقصا أو ما شئت من هذه المهازل التي لا تجدي على الأمة إلا كل فساد وإفساد، ومع ذلك تنفق عليها مليارات الدولارات، لا الجنيهات، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
إننا بحاجة إلى كتيبة من الشباب المبدعين في مجال البرمجة تُنتَقى بعناية، ويُنفَق عليها بسخاء، وتُعَلَّم تعليما دينيا وقوميا إلى جانب تعليمها التخصصي، وتوقف على حركة الصراع بيننا وبين عدونا؛ حتى تتضح في أذهانها وعقولها الأهداف العليا والغايات السامية التى نيطت بأعناقهم تحقيقها. حتى لا تبتلى منهم-بعد أن أنفقت عليهم ما أنفقت- بِشَرِّ ما تُبتَلى به أمة بأبنائها؛ أن يصيروا لعبة في يد عدونا يستغلهم في محاربتنا ،كما يكون كثيرا من استقطاب العقول المبدعة واستغلالها في حربنا .
مهم جدا أن نشعر هؤلاء بأنهم في عملهم لا يقلون عن الجندي في دبابته أو على مدفعه، يطلق قذائفه على عدوه فيرديه، وأن ما سيبتكرونه إنما هو كالسلاح الذي نصنعه بأيدينا لنستقل به عن عدونا فنواجهه به مواجهة الند للند، فتلك أولى خطوات الانتصار .
ولا على هؤلاء الشباب حين يوفقون إلى ابتكار وسائل للتواصل خاصة بالمسلمين -أن تكون وسائلهم أقل شهرة وكفاءة من وسائلهم، فهنا يأتي دور الأمة في ان تصبر على استعمال هذه الوسائل على قلة كفائتها وانحسار شهرتها؛ إذ هي لن تنتشر إلا بذلك..وعلينا أن نكون أكثر اعتزازا باستعمال هذه الوسائل من استعمالنا وسائلهم؛ لأنه كما يقول المثل العامي(حمارتك العرجا ولا سؤال اللئيم)، فلأن تكون لنا حمارة عرجاء نملكها خيرمن استعارة سيارة فارهة يملكها عدونا.
ولا تحسبن ما أقوله ضربا من الخيال فلكم صار خيال الأمس حقيقة اليوم .
والله المستعان .
يتبع