النسبة الذهبية وموسيقى الألوان وفلسفة الجمال

د. محمد السيد السّكي | استشاري تحاليل طبية وكاتب وروائي مصري

تستهويك كثيراً تلك الألوان المتنوعة التي تجد نفسك عند النظر اليها محلقاً وكأنها أنغام شذاها فواح..وتعتقد إن الألوان حقيقة وأنك ترى الأشياء على حقيقتها وهذا ليس بصحيح، إذ أنه لا توجد في الواقع ألوان، وإنما هي تنقلات للالكترونات داخل المدارات الذرية بالمواد، وعلى حسب مقدار الطاقة وترددها التي تمتصها المادة من الضوء والتي تجعل الإلكترون يقفز إلي مدار اعلى ثم يعود إلى موقعه الأصلي باعثاً ما أخذه في شكل طاقة وأمواج والتي تتعرف عليها عينك في صورة ألوان.
تلك الذبذبات الضوئية بموسيقتها المختلفة ناتجها هو تلك الألوان المتعددة التي تستريح لها نفسك، وكأنها ترسل لك رساله مؤداها ان تلك الحياة هي بوتقة الاختلاف ودار التعدد والتباين، ولا يرتاح القلب المتقلب إلا لقوالب متباينة ألوانها وأفكارها و نكهتها..فليس للقلب دار سوى لعزف الاختلاف.
تتكامل الألوان مع طاقتك الحيوية لنفسك وتنسجم مع هالتك الضوئية بل ومع مكانك وزمانك صانعة بذلك التوافق رنيناً يبعث فيك الطمأنينة وربما النفور.. وتستريح كل نفس منا على حسب طبيعتها إلي ألوان معينة تحس معها بالراحة والسعادة وتتهافت عليها وكأنها الريشة التي تضغط على أوتار عودها فتعزف لحناً جميلاً يصنع بداخلها الرضا وتجد فيه فلسفة الجمال.
ليس من الغريب أن نبحث في مغزى الألوان وتعددها واختلاطها مع بعضها لتصبح أيقونة جمال.. وما ذلك الجمال ونسب تحقيقه إلا رسالة الهية تجد فيها النفس مبغاها ومستودعها.. إن دعامة تحقيق مقومات الجمال تعتمد على تحقيق التوازن بين أبعاد الأجسام والوانها والتنسيق الذي يستهوي النفس دون سواه.. وعند البحث عن الجمال ووضع قواعد له متحققة في البيئة من حولك وفى نفسك وجسدك فلقد وجد أن هناك علاقة ونسبة جمالية تعطي للشكل رونقاً يجذب النفس ولقد سموا هذة النسبة بنسبة الجمال الذهبية. والعجيب ان تلك النسبة موجودة في كل شئ، فهي في كل شكل جميل ، وكل هيئة جذابة،وفي كل لحن جميل..
فانت لو قسمت طول وجهك على عرضه لوجدته يساوي ١.٦١٨ وهي النسبة الذهبية للجمال، وأيضا لو قسمت المسافة بين مقدمة شعرك واخمص قدمك الي المسافة بين سرتك الي الارض لوجدتها أيضا تساوي النسبة الذهبية وستجدها أيضا كعلاقة جمالية منضبطة في ذراعك ورجلك وفي كل أبعاد جسدك..
وهكذا يحاول الفنانون والنحاتون والموسيقيون تحقيق نسبة الجمال الذهبية بضبط الأبعاد التي تجعل فنونهم تفيض بعطور الجمال..
لقد قامت فلسفة الفينج شو الصينية لتحقيق التناسق والانسجام في الكون واهتمت بالجمال والتاثير الطاقي للمكان والألوان، وسعى اليانونايون والمصريون القدماء لتحقيق الجمال في اعمالهم الفنية والاثرية الذي برصده نجده يحقق النسبة الذهبية..
لقد حيرت النسبة الذهبية العلماء وتعجبوا من تحققها في كل مظاهر الجمال.. عجيب ذلك الكون وانسجامه مابين تذبذبات وطاقات جمال وبديع الوان.. ورحم الله المفكر الموسوعي الفيلسوف الدكتور مصطفى محمود حينما يقول: ” البقاء ليس بالضرورة للأقوي بل أحيانا للأجمل”..
فاستمتع بالجمال في كل لحظة في حياتك لانه يعكس بداخلك طاقة وحياة، وابتسم للخضرة و استنشق تنهيدة الماء، وابن عند نظرك لكل منظر جميل قصوراً بداخل نفسك تشحنك بشحنة الحياة وتحميك من شوارد القبح و بواعث المرض والشقاء..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى