أستاذي العزيز (٢)

شرين خليل | مصر


لم أكن أعلم أن اللقاء قد بات قريبا فلقد قتلني الشوق وأحياني الأمل فمع إشراقة كل صباح تداعبني نسمات الهواء وتهمس لي: ماذا لو كان اليوم هو يوم اللقاء..وينتهى اليوم ويأتي المساء وأخرج إلي شرفة غرفتي وانظر إلى السماء وأسأل القمر هل تراه؟ هل يتحدث معك ؟هل يشتاق إلي؟ أم أصبحت في ذاكرة النسيان؟ ويعود الصباح وينتعش بداخلي الأمل وتمر الأيام حتى جاء اليوم الذي حدث فيه ما أتمنى ..
ذهبت إلى دار الأيتام التي أقضي فيها معظم وقتي لأجد مديرة الدار في إنتظاري ولم تنتظر حتي أن ألقي عليها التحية :
-إتأخرتي ليه ياريم؟أنا في إنتظارك من بدري عاوزاكي ضروري؟
-أسفه كنت بشتري شوية طلبات للأطفال.
-أنا هادخل في الموضوع على طول لأن مفيش وقت .
– قلقتيني يا أستاذة نجاة ..خير في إيه؟
– خير طبعا أول موضوع عاوزاكي فيه هو موضوع الحفلة اللي باقي عليها شهر ونص ولازم ننجز ،الحفلة السنة دي لازم تكون مختلفة .
– أنا بالفعل بجهز لها بقالي فترة ليه قلقانه كده ؟
-لان السنة دي هايحضر ناس مهمة ولازم تكون الحفلة على أعلى مستوي .
– أؤمريني يا أستاذة إنتي عارفه إني مقدرش أتأخر عن الدار والأطفال .
– أنا عارفه دا كويس ياريم وعشان كده في بنوته هاتكون معاكي تساعدك .
– بس أنا مش محتاجه مساعدة ،أنا أقدر لوحدي.
-البنت دي هاتعجبك جدا هي فنانة ووالدها فنان وهو اللي هايجهز مسرح العرايس وهايعمل لنا مسرحية للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وكل دا لازم يخلص في خلال شهر .
– تمام يا أستاذة إن شاء الله في أقل من شهر هاتكون كل حاجه جاهزة بس البنوته دي فين ؟
-جايه في الطريق وعلى ماتوصل أكلمك في الموضوع التاني..
-اتفضلي يا أستاذة..
-ريم إنت معايا هنا بقالك سنين طويلة بنت خلوقة وجميلة وبتحبي الأطفال لدرجة إنهم بيقولولك ياماما لكن مش عارفه ليه مااتجوزتيش لحد دلوقتي وانا عمري ماسألتك لإني حاسه إن في جواكي حاجه مش عاوزه حد يعرفها لكن دلوقتي أنا بسألك ليه ياريم ؟
-أنا شايفه إن حياتي كده أفضل .
-لا ياريم دي مش حياة سوية في حاجه إنتي مش عاوزه تقوليها وأنا مش هافرض عليكي إنك تقولي بس عاوزه أقولك إنك لازم تعيشي حياتك شوفي ياريم هاجيبلك من الأخر في إنسان ممتاز جدا وانتي تعرفيه كويس وعاوز يرتبط بيكي ، الدكتور وليد دكتور الأطفال اللي بيزورنا دايما هو ابنه إياد وإنتي بتحبي إياد وعارفه ظروفه إن مامته إتوفت وهو طفل رضيع ..
– أستاذة نجاة أنا مقدره إهتمامك وحبك ليا لكن أنا إنسانه بدون روح مش هاقدر أسعد حد ،ومش عاوزه أظلم حد معايا .
– ليه ياريم؟ إتكلمي وإحكي لي .
-أنا محتاجه اللي يحبني بجد ،أنا رافضة اكون زي أمي ورافضة طريقة أهلي في الإرتباط والحياة وللأسف لما لاقيت الحب اللي أنا بتمناه هما اللي ضيعوه مني .
– وعشان كده بتعاقبيهم وتعاقبي نفسك ياريم ،عموما أنا هاسيبك لبعد الحفلة وبعدين نتكلم في الموضوع دا .
-يكون أفضل خلينا نركز في الحفلة .
-طبعا هانركز في الحفلة لكن مش هاتهربي مني وهاعرف كل حاجه وهاقنعك بالدكتور وليد صدقيني مش هاتلاقي حد في أخلاقه .أنا هاتصل على شادن أشوفها أتأخرت ليه ..
-شادن !!!
-أيوا البنوته اللي هاتساعدك ..شادن عمر كامل .
-عمر كامل ؟؟؟
-حضرتك قولتي عمر كامل ؟؟هو رجع من السفر ؟؟
أيوا ياريم إنتي تعرفيه؟
بدأت أنفاسي تعلو وقلبي يرتجف ودموعي تتساقط .
-مالك ياريم ؟؟؟ فهميني يابنتي ؟؟
-هافهمك يا أستاذه وأحكي لك القصة كلها ..وبدأت أحكي قصتي ولأول مرة أجد من يحنو علي ويسمعني بإهتمام ويتعاطف معي ويفهمني .
إقتربت مني ووضعت يدها على كتفي وقالت : ياااا ياريم الدنيا طلعت صغيرة جدا فعلا مسير الحي يتلاقي زي مابيقولوا ..بس سامحيني ياريم في اللي هاقولهولك دا : أولا إنتي غلطتي لأنك عشتي في دايرة مقفولة وماحاولتيش تخرجي منه يابنتي لو كل الناس عملت زيك كده ماحدش هايعيش ولا هاتكون فيه حياة لإن محدش خالي من التجارب المؤلمة ومش كل الناس إتجوزت عن حب .
ثانيا ودا الأهم : اللي جواكي دا لأستاذك مش حب، إنتي حبيتي الجزء المفقود في حياتك العطف والحنان اللي مش موجودين في إسرتك ،إنت حبيتي فيه صورة الأب .يعني كل اللي جواكي دا وهم ولو كانت قصة الحب دي إنتهت بالجواز كانت هاتبقي جوازه كلها مشاكل .
ثالثا :أهلك معاهم حق لكن اتصرفوا غلط .لو كان وقتها حد إتكلم معاكي صح وفهمك الحياة ماشية إزاي ماكنش الحال بقي كده .
رابعا : أنا عاوزاكي تنسي الموضوع ولو عاوزه تعتذري عن الحفلة أو نشوف حد تاني غير شادن ووالدها أنا معاكي .
– لا يا أستاذه كل شئ هايستمر زي ماهو وماتقلاقيش علي
-أوعديني ياريم إنك تقاومي مشاعرك وتتماسكي .
-حاضر ياأستاذه .
-أنا سامعه صوت شادن بره اصلها لما بتيجي الأطفال بيعملوا إحتفال لها بيحبوها جدا زي مابيحبوكي .تعالي شوفي بنفسك .
خرجنا من غرفة المكتب لأجد الأطفال تلتف حول شادن وهي توزع عليهم الهدايا والقبلات كانت مثل الفراشة الجميلة .عندما رأيتها رأيت صورة أبيها فالشبه قريب جدا والروح واحدة نفس الروح الحنونة وعندما انتهت وجاءت لتتعرف علي لم أشعر بنفسي وأنا أحتضنها وكأني أحتضن قلبي وسنين عمري وتذكرته عندما أخبرني عن ابنته التي كان عمرها وقتها اثني عشر عاما .
جذبتني الأستاذة نجاة وقالت : أنا عارفه إنك هاتحبي شادن ياريم وواثقه إن الحفلة هاتكون رائعة بتعاونكو مع بعض ومش عاوزين نضيع وقت .إتفضلوا في المكتب إتفقوا هاتعملوا ايه عاوزين شغل ياريم زي ماوصيتك .
دخلت انا وشادن وبدأنا بالفعل في تجهيز برنامج الحفل واتفقنا نتقابل في اليوم التالي ولكن في المرسم الخاص بها وبوالدها او بيت الفنون كما أطلقت عليه فهي ترسم وتعزف وتقوم بتدريب الأطفال ووالدها له ركن خاص به ويساعدها في عملها فهو مصمم عرائس رائع وفنان مبدع
ولكنها لا تعلم من أنا ولو علمت هل ستبتعد عني وأفتقده مرة أخرى ؟ أم هي لا تعرف شيئا فلقد كانت طفلة صغيرة .
أنا لن أشغل عقلي بهذه الأمور فكل مايشغلني الآن هو أستاذي واللقاء المنتظر بعد كل هذا العمر ماذا سيحدث ؟لأول مرة منذ سنوات أشعر بالسعادة .
أنهيت عملي وذهبت إلى المنزل وأنا في عالم آخر من الخيال وأغني
أغدا ألقاك
يا خوف فؤادي من غدِ

يالشوقي وإحتراقي فى إنتظار الموعد

آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه إقترابا

كنت أستدنيه لكن هبته لما أنابَ

وأهلت فرحة القرب به حين استجابا

هكذا أحتمل العمر نعيماً وعذابا

مهجة حرة وقلباً مسه الشوق فذابا

أغداً ألقاك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى