المؤرخون في مصر من العصر العثماني إلى ظهور عبد الرحمن الجبرتي
عرض: أبو الحسن الجمال | كاتب ومؤرخ مصري
صدر مؤخراً عن مركز التاريخ العربي للنشر، كتاب “المؤرخون في مصر في العصر العثماني إلى ظهور عبد الرحمن الجبرتي” للأستاذ الدكتور أبو وردة السعدني، وهو سفر نفيس تتبع فيه المؤلف بالدرس والتحليل التاريخ والمؤرخين في مصر على مدار أربعة قرون، وقد بذل فيه جهداً كبيراً، وخصوصاً وأن مؤلفات هؤلاء المؤرخين بعضها كان مخطوطاً وقت إعداد المؤلف لهذا البحث الذي هو في الأساس رسالة جامعية حصل بها على شهادة الدكتوراه من كلية اللغة العربية بالقاهرة عام 1988.
وقبل أن نبدأ رحلتنا مع هذا الكتاب لا بد وأن نعرف بمؤلفه الأستاذ الدكتور أبو وردة السعدني، فهو من مواليد عام 1949 في مركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية، حفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالأزهر الشريف حتى حصل على شهادة الثانوية الأزهرية، ثم التحق بكلية اللغة العربية وتخرج فيها عام 1973 بتقدير جيد، ثم عمل بمدارس التربية والتعليم حتى عام 1991، وخلال هذه الفترة شده الشوق بعد تخرجه بعشر سنوات إلى إكمال دراساته العليا فحصل على الماجستير والدكتوراه في فترة وجيزة وهي ست سنوات، الماجستير بتقدير ممتاز عام 1986، والدكتوراه عام 1988 بإشراف الأستاذ الدكتور السيد الدقن والأستاذ الدكتور عبدالجواد صابر وأجيزت بمرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطبعها، بعدها عين مدرساً للتاريخ الحديث والمعاصر في كلية اللغة العربية بأسيوط عام 1991، ورقي إلى أستاذ مساعد عام 1995، وأُعير إلى كليات البنات في السعودية سنة 2000.
وخلال رحلته العلمية أمد المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات التي تخصصت في تاريخ مصر في العصر العثماني، والأزهر الشريف، ومن كتبه: “المؤرخون في مصر في العصر العثماني إلى ظهور عبدالرحمن الجبرتي” (كتابنا هذا)، و”الصراع العثماني الصفوي ونتائجه السياسية والعسكرية”، و”سنغي الإسلامية من خلال كتاب تاريخ الفتاش في أخبار البلدان والجيوش وأكابر الناس”، و”جان بردي الغزالي بين الخيانة والثورة”، و”الجامع الأزهر وشيوخه في العصر العثماني السلطان العثماني”، و”بإيزيد الأول بين النصر والأسر”، و”طاش كبري زادة ومنهجه في كتابه الشقائق النعمانية”، وغير ذلك هذا إلى جانب المقالات المنشورة في الصحف والمواقع الالكترونية.
المؤرخون في مصر
بدأت حركة التاريخ في مصر الإسلامية بالمؤرخ الكبير عبد الرحمن بن عبد الحكم وكتابه الأشهر “فتوح مصر وأخبارها”، ثم تبعه نخبة من المؤرخين أمثال: الكندي الأب والابن، وابن زولاق، وعز الدين المسبحي، وابن الطوير، مروراً بالمقريزي، وابن حجر العسقلاني، وابن تغري بردي، والسخاوي، والسيوطي، وابن إياس، ثم جاء الفتح العثماني لمصر والدول العربية فدخلت حركة التاريخ في طور من الغموض والإهمال اعتمادا على تنظير المؤرخين الأوروبيين الذين لهم مواقف بعضها عدائي مع الدولة العثمانية التي فتحت النصف الشرقي من القارة الأوروبية، ومن هنا أخذ الدكتور أبو وردة السعدني على عاتقه دراسة هذه الفترة التي يكتنفها الغموض ومعظم آثارها لم يطبع حتى إعداد الرسالة، وفي هذا يقول: “ولقد أسهمت مصر الإسلامية في هذا المضمار بقسط وباع طويل؛ إذ خصت علم التاريخ بعدد وافر من من علمائها الأفاضل، الذين وهبوا تاريخ مصر والعالم الإسلامي أضخم وأنفس مجموعة من الموسوعات، التي امتازت بالشمول والاتساع، وتدوين حوادث عصرها بطريق المشاهدة والمعايشة، وظل الأمر على هذا المنوال الكريم، وذلك المنهج القويم، إلى أن دخلت مصر في حوزة العثمانيين عام 923هـ/1517م، فمنذ هذا التاريخ وحتى أوائل القرن الثالث عشرالهجري (التاسع عشر الميلادي) نجد تاريخ مصر إبان هذه الحقبة الطويلة يكتنفه كثير من الغموض، لقلة المعروف من الكتب التاريخية التي أرخت لمصر في العصر العثماني قبل ظهور الشيخ عبد الرحمن الجبرتي بكتابه الشهير “عجائب الآثار في التراجم والأخبار” وكأن مصر في العصر العثماني قد أقفرت وأجدبت، فلم تثمر مؤرخاً يرصد حركة الحياة فيها، أو كأنها قد أصيبت بالعقم، فلم تعد قادرة على إنجاب مؤرخ يستكمل مسيرة أسلافه من المؤرخين، فكان هذا الأمر من العوامل التي دفعتني لاختيار هذا الموضوع، لأحاول إماطة اللثام”.
وقد قسم الدكتور أبو وردة السعدني دراسته إلى إلى أربعة أبواب اشتملت على تسعة أبواب وسبقت بتمهيد وختمت بخاتمة.. ففي التمهيد عرض الدكتور السعدني للحياة العلمية في مصر في العصر العثماني بصفة عامة وعلم التاريخ بصفة خاصة، وفند الإدعاءات والإفتراءات التي حاولت النيل من دور الأزهر الشريف وعلمائه في إثراء الحياة العلمية في مصر في العصر العثماني.
وفي الباب الأول وعنوانه “المؤرخون في القرن العاشر” فقد اشتمل على فصلين، تناول في الفصل الأول كتاب ابن إياس الحنفي “بدائع الزهور في وقائع الدهور” خاصة تلك السنوات التي عاشها هذا المؤرخ في ظل العثمانيين في أوائل وجودهم في مصر، كما تعرض لكتاب “واقعة السلطان الغوري مع سليم العثماني” للشيخ الرمال.
وفي الفصل الثاني تناول بالدراسة والتحليل كتاب “درر الفرائد المنظمة في الحج وتاريخ مكة المعظمة” للشيخ عبد القادر بن محمد بن عبد القادر، وهو كتاب مخطوط عرض فيه مؤلفه باستفاضة للحج منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى آخر سنة 961هـ/1554م.
وفي الباب الثاني والذي جاء تحت عنوان “المؤرخون في القرن الحادي عشر” فقد اشتمل على ثلاثة فصول تبدأ من الفصل الثالث وتنتهي بالفصل الخامس، ففي الفصل الثالث وعنوانه “الإسحاقي ومعاصروه”، درس كتابه المسمي “لطائف أخبار الأول فيمن تصرف في مصر من أرباب الدول”، كما درس مؤرخين معاصرين له من أمثال: الشيخ أحمد الدميري المالكي الذي ألف كتاباً مازال مخطوطاً عنوانه “قضاة مصر في القرن العاشر وأوائل القرن الحادي عشر”، ويقول عنه المؤلف “هو كتاب مهم ترجم فيه الشيخ الدميري لقضاة مصر في أواخر العصر المملوكي وقضاة العسكر بها في العصر العثماني حتى عام 1029هـ / 1619م. والمؤرخ الآخر هو الشيخ مرعي الحنبلي؛ الذي ألف كتابين مخطوطين (وقت إعداد المؤلف لهذه الرسالة) في علم التاريخ، أولهما خاص بالدولة العثمانية، عنوانه “قلائد العقيان في فضائل آل عثمان”، والآخر في تاريخ مصر منذ أقدم العصور وحتى عصره، عنوانه “نزهة الناظرين في تاريخ من ولي مصر من الخلفاء والسلاطين”.
وفي الفصل الرابع وعنوانه “ابن أبي السرور البكري”، عرض فيه بالدراسة والتحليل –أيضاً – لمؤلفات البكري وكتبه مازال معظمها مخطوطاً، وهي: “كشف الكربة في رفع الطلبة”، و”عيون الأخبار ونزهة الأبصار”، و”المنح الرحمانية في الدولة العثمانية”، و”فيض المنان بذكر دولة آل عثمان”، و”الروضة الزهية في ذكر ولاة مصر والقاهرة المعزية”، و”الروضة المأنوسة في أخبار مصر المحروسة”، و”قطف الأزهار من الخطط والآثار”، و”الكواكب السائرة في أخبار مصر والقاهرة”.
وفي الفصل الخامس وعنوانه “العوفي مؤرخ الواقعتين”، عرض فيه لكتاب الشيخ إبراهيم بن أبي بكر الصوالحي العوفي “تراجم الصواعق في واقعة الصناجق” الذي أرخ فيه لواقعتين من وقائع التاريخ المصري في القرن الحادي عشر الهجري، عايشهما المؤرخ وسجلهما تسجيلاً واعياً دقيقاً.
أما الباب الثالث والذي تناول فيه المؤلف المؤرخين في القرن الثاني عشر”، فقد اشتمل على ثلاثة فصول، تبدأ من الفصل السادس وتنتهي بالفصل الثامن، ففي الفصل السادس وعنوانه “المؤرخون العلماء” تناول فيه بالعرض والتحليل مؤلفات المؤرخين من علماء الأزهر الشريف في القرن الثاني عشر الهجري، وهم على الترتيب: الشيخ يوسف أفندي الملوي الشهير بابن الوكيل، الذي ألف كتاباً مازال مخطوطاً في تاريخ مصر بعنوان “تحفة الأحباب بمن ملك مصر من الملوك والنواب”، والشيخ أحمد شلبي بن عبد الغني مؤلف كتاب “أوضح الإشارات فيمن تولى مصر القاهرة من الوزراء والباشات الملقب بالتاريخ العيني”، والشيخ عبد الله الشبراوي شيخ الجامع الأزهر، مؤلف كتاب “شرح الصدر بغزوة بدر”، والشيخ علي بن محمد الشاذلي الفرا، مؤلف كتاب “ذكر ما وقع بين عسكر المحروسة القاهرة سنة 1123هـ”، والشيخ أحمد الرشيدي، مؤلف كتاب “حسن الصفا والابتهاج بذكر من ولي إمارة الحاج”.
وفي الفصل السابع وعنوانه “المؤرخون الأجناد” تناول فيه بالدراسة مؤلفات الأجناد في تاريخ مصر، وأهم هؤلاء الأجناد: الحاج مصطفى بن الحاج إبراهيم، مؤلف كتاب “تاريخ وقايع مصر القاهرة كنانة الله تعالى في أرضه”، وهو كتاب مخطوط تناول فيه المؤرخ تاريخ مصر من سنة 1100هـ/1678م إلى 1153هـ /1740م، ومن مؤرخي الأجناد أيضاً الأمير أحمد الدمرداشي كتخدا عزبان، مؤلف كتاب “الدرة المصانة في أخبار الكنانة وفي أخبار ما وقع بمصر في دولة المماليك من السناجق، والكشاف والسبع أوجاقات، والدولة، وعوايدهم، والباشا”، وهو كتاب مخطوط موجود في المتحف البريطاني بلندن، عرض فيه مؤلفه تاريخ مصر من عام 1099هـ /1687م إلى عام 1169هـ /1755م.
وفي الفصل الثامن وعنوانه “معاصرو الجبرتي”، عرض فيه لمؤلفات المؤرخين الذين عاصروا عبد الرحمن الجبرتي، وهم: الشيخ عبد الله بن حجازي الشرقاوي، شيخ الجامع الأزهر وكتابه “تحفة الناظرين فيمن ولي مصر من الولاة والسلاطين”، والشيخ مصطفى الصفوي القلعاوي وكتابه “صفوة الزمان فيمن تولى على مصر من أمير وسلطان”، والشيخ إسماعيل الخشاب الذي ألف عدداً من الأوراق في تاريخ مصر، تحت عنوان “تاريخ حوادث وقعت بمصر من عام 1120 هـ إلى دخول الفرنسيس”.
أما الباب الرابع والأخير “مؤرخو العصر العثماني في الميزان” فقد عقد في الفصل التاسع منه دراسة منهجية مقارنة بين مؤلفات مؤرخي مصر في العصر العثماني قبل ظهور الشيخ عبد الرحمن الجبرتي.
هنيئا لأستاذنا الدكتور أبو ورده على نشر هذا السفر النفيس الذي سيضيف الكثير لحركة البحث التاريخي في مصر، ولعلنا في الأيام المقبلة نجد دراسات مستقلة لكل مؤرخ من هؤلاء المؤرخين.