العدَاء والزهرة

بقلم: أحمد حسين عثمان | مصر

 مع دقات الخامسة يستيقظ من نومه ، يأخذ نفسا عميقا محاولا مقاومة الخمول الذي ينازعه ؛ ليسكن في بواطنه ، لا تستغرق المعركة إلا دقائق حتى يشعر بسعادة النصر وبنشوة التحدي .

يقوم وسط مجموعة لا بأس بها من النوَم ، يعبر هذه الجثث على أطراف أنامله  حتى يصل إلى  البوابة التي تطل على شاعر مستقيم ، يبدأ ممارسة رياضة العدو ، تتجمع قطرات العرق على جبهته ثم تغزو في جامعات متتالية الجسد المنهك ، لكنه يواصل كل ذلك .

بدأ يشعر في منتصف الطريق أن طاقته نفذت يتوقف قليلا ثم يواصل ، معدل النشاط والجهد يتوقف خاصة بعد ما قلت المارة التي في طريقه .

يبدو أنه اتخذ سبلا وعرة ويبدو أن طاقته لابد أن تكون نابعة من ذاته ـ يحاول أن يبحث عن دعم خارجي لكن   بلا جدوى . تصرخ فيه أعضاؤه كي يتوقف عن التحرك لكنه لا يعيرها إلا صراخ التحدي ، تزداد معدلات قلبه .

يدخل في طريق ضيق يشعر بالاختناق  لكنه يقفز مستخدما الدرجات القصوى من طاقته، تتراخي أعصابه وتقترب الأهداب من بعضها معلنة الهزيمة يجف العرق من على جبهته ، وتتراجع درجات السخونة إلى معدلات غير طبيعية .

في وسط كل هذا الجو الذي يتهيأ من أجل تشييع جثمانه ، يشم رائحة من بعيد

رائحه تجتاح الأنوف فتسري بين جلده وعظمه ، يشعر وكأن طاقة جديدة  تضخ في العروق ، يفتح عينينه ببطئ  يرى من بعيد حديقة صغيرة ، يتحامل على قدميه المتراختين ليستقيم عوده ، يسير نحو النقاط المرجوة من جديد، يقترب من الزهور المحاطة بكمية كبيرة من الأملاح التي فرشت بُسطها على مقربة من الزهور؛ طمعا في أن تنتزع الأرض منهن  تستغيث به أجملهن .

تلك نقطة فاصلة في طريق هدفه ، فهو لا يمكن أن يواصل السير بدون أن يصحب معه وقود العبق الزهري ، إن المدعمات الداخلية على وشك الفناء .

بدأت الأزهار مع تزايد ملوحة الأرض، تبحث كل واحدة منهن عن مخرج ، بعدما خيم شبح الفناء على أغصانهن الرفيعة، وجفت في الجوف المياه العذبة ، لتحل مكانها بوادر الملوحة ، يقترب منها في شيء من الرفق  ، يقتعلها من وسط هذا الزخم  ويزرعها في حويصلة قلبه المتوتر ويغذيها من شراييين أوردته العذبة حتى دبت بها روح الحياة فتدفق من فوهتها المرنة نسمات تبعث في العداء قوة التحدي.

يبدو أن الزهرة تريد أن تكون هي الهدف ، تريد أن تكون هي النهاية ، وهو يريد أن يجعلها معه في ذات الغاية التي ستعود عليهما  بالنفع،  في وسط هذه المعركة الصامتة تتوقف الزهرة عن الامدادات ، وتتوقف تبعا لذلك جميع أجهزة العداء على  مواصلة الطريق ، ينهك القلب وتيبس الأوردة  وتتوقف عن مد الزهرة بالمياه ، يموت الأمل داخل جوف العداء وتموت الزهرة ظمأ ،يموتان سويا ، دون أن يدري أحد من القاتل !.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى