الموسيقى العربية والحزن
د.خضر محجز | فلسطين
يقول دي بوا ــ إيميه: إذا كان العفو يُعد شرفاً للقوة، فإن المشاعر الرقيقة تكون شرفاً للضعف.
وعن شرف الضعف سأتكلم: بسبب العديد من العوامل التاريخية، الإنسان العربي مسكون بالضعف. والضعف يورث الكثير من الشجن. ولا شيء أقرب إلى الشجن من الرقص.
التعبير عن شدة الألم بالرقص معهود في تاريخ المقهورين.
كل الأغاني العربية راقصة: نحن نرقص كالطائر الذبيح، كما لو كنا نختلج الاختلاجات الأخيرة بعد السكين. نحن مذبوحون حزينون نرقص بفعل كل ذلك.
أجمل الألحان العربية حزينة وراقصة في آن.
لو تأملنا في كل ألحان عبد الوهاب، لوجدناها راقصة، يتسارع فيها الإيقاع كلما اشتد الألم.
لقد وجد عبد الوهاب ضالته في حليم، العندليب المعذب، فوهبه أجمل الألحان، وكانت كلها راقصة.
تأملوا في أغنية (فوق الشوك) التي أراها أشد الأغاني حزناً، ثم راقبوا تصاعد الإيقاع الراقص، مع كل مقطع يقود إلى نهاية علاقة الحب، ووصولها في النهاية إلى حضيض الفقد، ومنتهى الحزن، وقمة الجمال، مع المقطع الأخير: “ياللي نسيك الحب انساه…”.
حتى في حالة السمو بالمشاعر الدينية يتصاعد الإيقاع، وتتسارع الحركات الراقصة. ولعلكم تذكرون كيف يفعل محمد الكحلاوي في أغنيته “لاجل النبي”.
أغنية “فكروني” للست من تلحين عبد الوهاب “بعد ما اتعودت بعدك غصب عني…” راقصة في قلب الحزن.
أغنية “علشان الشوك اللي في الورد” لعبد الوهاب كذلك، يتصاعد فيها الرقص، كلما تصاعد الحزن: “وينام فجري ويصحى بدري وأنا باتمنى وبافكر…”
أشد المقاطع رقصاً كانت المقطوعة التي يعرضها المصريون كأجمل دعاية لمصر، وهي لبليغ حمدي مع حليم في “موعود” حين يغني قوله: “وابتدا المشوار وآه يا خوفي من آخر المشوار”، إذ نلاحظ أنه الأشد لوعة.
أعيدوا الاستماع إلى موسيقاكم تروا مصداق كلامي.