السيميائية الجمالية في ( أولاد القابلات ) لـ” خالد ناجي ناصر “

أ. د . مصطفى لطيف عارف | ناقد وقاص عراقي

سيقتصر حديثنا هنا في المجموعة القصصية (أولاد القابلات) عن تلقي الإشارة أو العلامة الجمالية حسب ، أي إن مدار الحديث هنا سيكون بين المتلقي والإشارة، وبالرجوع إلى مفردات خطاطة ياكوبسون في التوصيل (المرسل ـ الرسالة ـالمرسل إليه ـ قناة الاتصال ـ الشفرة ـ السياق) نجد أن الوظيفة الجمالية هي التي تستطيع أن تجعل الإشارة أو الفعل الاتصالي يشير إلى الأشياء أو إلى العالم الخارجي ، أي تجعله عملا أدبيا ، وفي الواقع الذي نعيش فيه يمكن أن تحصل مطابقة بين فكرنا والعالم الخارجي ، ومن جهة أخرى فان ربط الجمالية أو الشعرية بالإشارة يفضي إلى شعرية المعنى وجماليته، ونحن إذا ما سلكنا سلوكا بنيويا هنا وانغلقنا على النص بوصفه منبع المعنى الوحيد نكون قد بحثنا في (بناء) المعنى وليس (إنتاجه)، أي سوف نعتمد على ما انطوى عليه النص من بنى لغوية وسياقية وتناصية مع أفكار دينية وأساطير وخرافات، ذلك لأن إنتاج المعنى يرتبط بخبرات المتلقي وما اختمر في ذهنه من ثقافات متنوعة،  هناك مقاربتين لملامسة شعرية المعنى الأدبي في الإشارة أو العلامة الأدبية؛ الأولى هي شعرية بناء المعنى الذي تتبناه البنيوية، والثانية هي شعرية إنتاج المعنى التي يتبناها التأويل السيميائي في ضوء الحرية التي إتاحتها نظرية القراءة والتلقي [1]، فالمؤول السيميائي ينتج دلالات الإشارات والعلامات والرموز التي تنطوي عليها النصوص الأدبية من دون الرجوع إلى دلالاتها المعجمية ، بل يعمل على فهمه الخاص تبعا لاستعداده الثقافي وموهبته ، ولا يتبادر إلى الذهن هنا أن هذه القراءة غير منضبطة ، ذلك لأن المؤول السيميائي ليس حرا في صنع المعنى ، بل هو حر في العثور عليه بإتباع طرائق عديدة خارج نطاق الكلمات ، أي انه يستطيع إضافة أي معنى يشاء ، بل المعاني كلها التي يستطيع ربطها بالنص عن طريق الشفرة التأويلية ، أي انه يستطيع أن يغرف معانيه من مرجعيات تقع خارج النص بعيدا عــن  نطاق الكلمات[2] ،وسنوظف كلا الاتجاهين في التوصل إلى معاني بعض الإشارات أو العلامات الأدبية الجمالية في قصص      (خالد ناجي)  ، وسنركز حديثنا على بعض عناصر السرد الرئيسة كالشخصية        و الفضاء السردي بوصفها إشارات سيميائية جمالية ، فضلا عن عناصر أخرى بعينها كالعنوان ،على أن نترك الباقي مبثوثا في أثناء الدراسة خوفا من الإطالة والتكرار ، ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى إفادتنا من بعض المحاولات التجريبية الرائدة في هذا الموضوع ، ولاسيما تلك التجارب التي خاضها النقاد , ويعد العنوان  الركيزة الأساسية لمعرفة النص والدلالة عليه , ومثلما نسمي الأشخاص فان العنوان يعني الاسم للكتاب ,فالعنوان للكتاب كالاسم للشيء , به يعرف وبفضله يتداول , يشار به إليه ويدل به  عليه [3],وبما يحمله من قصدية فاعلة لكشف الباطن بفعل أرادة ملزمة للبداية وإحراج المعنى ,لذا فان العنوان يكون صلة قائمة بين مقاصد المرسل وتجلياتها الدلالية في العمل [4],إن علاقة العمل بالعنوان علاقة فاعلية تتكئ على منطق الضبط , تلك العلاقة أنما نكتشفها من الترابط بين المرسل بمراسلته ( العمل + العنوان ) فهو فاعل هذا , وفاعل ذاك [5] ,ونحن نعد العنوان خطابا سيميائيا فكريا , يحمل مقاصد شتى , لان الاتجاه المرسوم للفاعلية المستحضرة يعتمد على قصدية المرسل , فالعنوان خطاب يعرف من خلال العمل الذي يتوجه به إلى المتلقي ,ذلك ممكن من خلال سياق الفعل الإبداعي , وقد تضيع على المتلقي آليات التعامل مع العمل إذا ما توهم فضاءات أخرى من العلامات لا يمكن أن تكون فاعلة,بل أن هناك ترابطا وتزامنا جدليين بين العنوان والنص في علاقة المحايثة, والعنوان مفتاح الشفرة والخطاب ,  وعنوان المجموعة القصصية (أولاد القابلات) يشتمل على علامات سيميائية متعددة تفضي إلى دلالات خارجية تكشف عنها بنيتها السطحية التي تحيل على البنيات العميقة التي تتمثل بالعالم الدلالي الذي يحيل عليه المبدع  خالد ناجي, ويكشف النص عن فضائيين دلاليين مهمين أولهما يحيل على الفضاء الزماني , (أولاد) , والآخر يحيل على الفضاء المكاني ,(القابلات), وبين الفضاء الأول, والثاني يتوسط اسم القاص خالد ناجي , ليربط بين العالمين ربطا مبهما, ومن هنا يبدأ الفضول يتسلل إلى المتلقي  الذي تركه القاص المبدع  قد فعل فعله في المتلقي, إذ أحاله على كل جنس فضاء زماني متسع الآفاق , ومكاني من خلال الإشارة السيميائية الجمالية التي تعطي للعنوان بعدا سيميائيا واسعا من خلال المعنى المضمر الذي أراده القاص , والذي تتطابق مع مضمون المجموعة القصصية, فنراه يقول : هذه المقدمات يسرت ان يعقل نذرها بعد أن اخبرنها المجربات أن أعراضها أعراض حمل فنذرت بسرعة وتلقائية أن كان هذا صحيحا  ووضعت ولدا لتبيتن به ليلة عند دكه المسجد الوحيد النائي دون أن يعلم احد  نذر بين الهزل والتحدي والرجاء, لا ادري لماذا تخلت عن حكايتها هذه ؟ّ! لتؤثر حكايات أخرى [6]

ومن المألوف ألا يقدم السياق ـ على وفق ما تقدم ـ إضاءة للمعنى إذا لم يشركه المؤلف في قصده[7]، حتى وان قال بتغنشتين  لا تفتش عن معنى الكلمة ، وإنما عن الطريقة التي تستعمل فيها [8]، بيد أن الأمر ليس بهذه السهولة ، فحتى لو كان المعنى مرتبطا ـ كما يقول أصحاب النظرية القصدية ـ بقصد المؤلف فليس من السهل تحديده فالقارئ هنا يتوهم بأنه المؤلف ويذهب بعيدا في تحقيق غاياته بانتهاكه القواعد الأخلاقية [9] ، فيزعم أن هذا هو قصد المؤلف، أو أن تفسيره للنص هو التفسير الوحيد الذي يتطابق وقصد المؤلف [10] ،ولغرض التقليل من حدة هذه المشكلة اقترح أصحاب هذه النظرية ربط المعنى الأدبي بشكل العمل الأدبي ، بوصفه انعكاسا للقصد [11]، وسوى ذلك فان أفضل الطرائق للوصول إلى قصد المؤلف هي ما دعت إليه المناهج السياقية كالنفسية والاجتماعية والتاريخية عندما أعطت المؤلف مكانة عليا وسلطة إلى حد جعلت العمل الأدبي معه أسيرا في دائرة مبدعه ، فلا معنى إلا ما أراده المؤلف نفسه، فجعل هذا جهد النقاد والباحثين ينصب على دراسة شخصية المبدع وحالته النفسية والاجتماعية وظروفه البيئية والتاريخية التي أبدع فيها، فضلا عن ثقافته وميوله حتى يتمكنوا بعد ذلك من التوصل إلى مقصده ، ومن الطبيعي أن يكون كل ذلك على حساب النص الإبداعي نفسه فيروي لنا القاص خالد ناجي قصته سأحكي وتنصتين : نسي الأب عمله أو تناساه لان فكرة وجود الرصاصة قد هيمنت عليه , كيف جاءت ؟ ولماذا في باب بيته هو دون باقي البيوت ؟ هل هي مجرد مصادفة أم هناك معنى محدد أو رسالة ما ؟ كيف ستكون ردة فعله ازارء كل هذه الاحتمالات ؟[12] إن أيديولوجية وثقافة القارئ ، فضلا عن زمانه ومواقفه كلها عناصر تدخل في تشكيل المعنى وإنتاجه[13] ، ذلك لأن القارئ لا يأتي إلى النص خلوا من كل شيء[14]، ولغرض التقليل من حدة ميل أصحاب هذه النظرية صوب القارئ وعده المنتج الحقيقي والوحيد للمعنى الأدبي اقترح أصحاب مدرسة جنيف النقدية حلا وسطا بين القصدية والقراءة والتلقي وهو إقامة المعنى الأدبي على ثنائية الإنتاج بين القارئ والمؤلف معا [15]، وفي ضوء ما تقدم يتضح أن التحليل السيميائي يقرا ما بين السطور ويستكشف العلاقات الدلالية غير المرئية، وهو يتأثر بشخصية من يقوم به وبالسياق الذي حوله ، لأنه يربط النص بالواقع ، لذلك قد يختلف التحليل من شخص إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى ومن فترة زمنية إلى أخرى ، وهو مجال خصب للإبداع لعدم وجود القيود عليه ، سوى وجود دلائل على صحة هذا التحليل من عدمها.

ما يميز القاص خالد ناجي شعرية السرد في كتابة قصصه المعبرة عن واقعية وبما تحمل من رمزية تحتاج إلى القارئ المثقف , الذي لديه القدرة النقدية على كشف معاني الكلمات المضمرة , والمبثوثة في ثنايا مجموعته القصصية الرائعة التي تناولت أعداء العراق.

  المراجع:

[1] جمالية العلامة الروائية : 25 .

[2] التأويل في النقد العربي خلال القرنين الرابع والخامس للهجرة: 150 .

[3] العنوان وسيموطيقيا الاتصال الأدبي : 15 .

[4] التحليل السيميائي للخطاب :154 .

[5] م0ن :154.

[6] أولاد القابلات : خالد ناجي ناصر :125 .

[7] التحليل الاجتماعي للأدب :43 .

[8] مدخل إلى علم الدلالة الالسني : 33 .

[9] النقد والنظرية النقدية :97 .

[10] التأويل في مختلف المذاهب والآراء : 156 .

[11] الشكل والقصد في النقد الجديد : 37 .

[12] أولاد القابلات :97 0

[13]تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي : 22 .

[14]مقدمة في النظرية الأدبية : 95.

[15] المعنى الأدبي : 18 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى