من دروس رمضان .. التقوى

صبري الموجي | رئيس التحرير التنفيذي لجريدة عالم الثقافة

في مقالنا السابق ( أهلًا بالوافد العزيز ) كنا قد تحدثنا عن أن هناك دروسًا مُستفادة من شهر رمضان المبارك، ووعدنا بالحديث عنها بنوعٍ من الإيجاز خلال ذلك الشهر الفضيل، الذى تشرئب له أعناقُ الصالحين انتظارًا وتطلعا ستةَ أشهر، وتُودعه ستة أشهر، ومن ثم تصيرُ السنةُ كلُّها رمضان، وها هو ذا الشهرُ الفضيل، قد حل بنفحاته ورحماته وفيوضاته السنية ودروسِه النافعة، تلك الدروسُ التي ستبقي أبدَ الدهر مُرشدا للأجيال، وموردًا تتسابقُ إليه دلاءُ المُتعطشين للمثل والفضائل، ومنها فضيلة التقوى، إذ إنها بالنسبة لهذا الشهر بمثابة الدُرةِ من التاج، ولُحاء الشجرة من جذعها، وقد أكد ذلك المعنى قولُ الحق سُبحانه : (  يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيامُ كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).

فالتقوى هي ثمرةُ جميع الطاعات والعبادات، ومعناها كما قال الحافظُ ابن رجب: أن يجعل العبدُ بينه وبين ما يخافُه ويحذرُه وقايةً تقيه منه، وهى وصيةُ الله لعباده قال سبحانه:( ولقد وصينا الذين أُوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله)، ووصيةُ رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لأمته، فكان إذا بعث بعثا أوصى مَنْ عليه بتقوى الله في خاصة نفسه ومنْ معه من المسلمين.

والمتأمل يدركُ أن التقوى غاية لا تتمُ في هذا الشهر الكريم ولا في غيره إلا بوسيلة، وهى العلمُ النافعُ والعمل الصالح، وأساسها أن يعلم العبد ما يتّقى ثم يتّقى، ومن ثم يصبحُ لزاما عليه أن يعرف الواجبات والمُستحبات فيمتثلها، ويعرفَ المُحرمات والمكروهات فيتجنبها تعظيما لقول الحق سبحانه:( ذلك ومن يُعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).

ولما كانت التقوى هي الغايةُ الأسني من الصوم، كان لزامًا أن نتجنبَ أمورًا أبعد ما تكون عن معناها؛ فمن ينامُ طِيلة يومه بحُجة أنه صائمٌ يريدُ تضييع الوقت حتى آذان المغرب، نقول له : احذر فقد حُرمت تحقيق معنى التقوى.

وأشدُ تضييعا لمعناها من يمتنعُ عن الطعام والشراب بحُجة الصوم،  ويظلُ عاكفا آناء الليل وأطرافَ النهار على الشات والدردشة ومُشاهدة الأفلام الهابطة، والمسلسلات الخليعة الماجنة، التي تقتلُ الوقت وتُهدر أغلي ساعات العمر.

كما أن الإسرافَ والتبذيرَ الذى من مظاهره ملءُ الموائد بشتى أنواعِ الطعام والشراب، ضاربين بقول النبي صلى الله عليه وسلم( بحسب ابنِ آدم لُقيمات يقمن صلبه) عرض الحائط، غاضين الطرف عمن ألهب الجوع بطونهم من فقراء المسلمين، وانطلقوا يُفتشون عن طعامهم في سلال القمامة، مُتجاهلين أن لهم في أموالنا حقا وإن لم يطلبوه

كما أنه ليس من معناها،  تعطيلُ مصالح المواطنين في المُؤسسات الحكومية عن طريق (التزويغ) من العمل قبل موعد الانصراف، أو الحرصُ على قراءة ورد القرآن اليومي بمقر العمل دون الالتفات إلى الطوابير المُنتظرة.

وليس من معناها عدمُ إنجاز مصالح الناس إلا بعد تفتيح المُخ ودفع الرشوة المقنعة في صورة ( حلاوة أو إكرامية، او أي مسمي آخر).

وليس من معناها تركُ ( خِتم النسر)  على حل شعره مُحلقا في فضاء المؤسسات الحكومية، دون النزول إلي مكتب الموظف المُختص إلا لحظات قليلة لا تُمكن كلَّ من ينتظره من الجمهور من الفوز بتوقيعه، ولكن معني التقوي أن نُشمرَ عن ساعدِ الجد ونفعل كل حسن، ونُقلعَ عن كل قبيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى