قيراط حظ، ولا فدَّان شطارة

د. كاميليا عبد الفتاح | أكاديمية مصرية صعيدية

طلبتْ إيناس جوهر- المذيعة المعروفة بإذاعة الشرق الأوسط- من الفنانة العبقرية سناء جميل -رحمها الله- في أحد برامجها الشهيرة في رمضان – أن توجّه كلمةً موجزة للممثلة نادية الجندي- التي كانت نجمة الجماهير وشباك التذاكر في هذا الوقت- فقالت سناء جميل على الفور، وبصوتٍ ساخرٍ، مليءٍ بالمرارة:
أقول لها: قيراط حظ ، ولا فدَّان شطارة …!


أحسّت سناء جميل- وهي الفنانة الموهوبة القديرة -بحسرة عميقة وأسىً ، لاجتياح نادية الجندي صالات العرض- في جميع المحافظات – بأفلامها التي لا يكفي أنْ نصفها بأنها هابطة أو رخيصة وتافهة، وذات فكرة متكررة مُفتعلة ، ممتلئة بالألفاظ السُّوقية، ومشاهد الإثارة المُبتذلة. كانت أعلى المبيعات – وقتئذٍ – لأفلام نادية الجندي، يدعمُها ويسوّقُ لجماهيريتها مُنتج تجاري . لا أستطيع نسيان لحظة سماعي لمرارة صوت سناء جميل، ولا أستطيع أن أنسى هذا المثل الشعبي الذي وجهتْه لنادية الجندي، لأنّ انفلات- كثيرٍ من – معايير الحق والجمال من قبضة المجتمع – في اللحظة الراهنة – -وتسارع خطوات الباطل والتزييف الصفيق – تستدعي هذا المثل – وما يشبهه – إلى ذاكرتي .
نادية الجندي ما تزالُ على قيد الحياة جسديا (وهي التي فَنيَتْ !) ، فهي متمسكة بالحياة ، تمتلك ثروة تفوق التصور، تمتلك صالة ألعابٍ (جيمينزيوم ) في فيللتها الخاصة، بل يُقال إنّ صالة التمارين الرياضية هذه تمتد على مساحة كبيرة جدا، ! تحرص على لياقتها البدنيّة إلى حدٍ مُدهش، إلى جوار عمليات التجميل والتقشير والنفخ ، ووو . وقد أثمر كل هذا – وفي مرحلتها العمرية المتقدمة – عن ظهورها في صورة مومياوية في الفترة الأخيرة : مومياء متماسكة إلى أن يثبت العكس ..!
ضحكتُ من قلبي حين رأيتُها في التليفزيون ، وهي تقف – والمذيعُ يقدمها – مزهوةً بإنجازها العظيم: التماسك الموميائي ، كدتُ أصيح بصوتٍ مرتفع ، لولا أن أُفزعَ أبنائي – كدتُ أصيح فيها: لا أتذكر منكِ سوى عباراتك المُبتذلة التي كان يرددها الشبان في الشارع اقتداءُ بكِ، وكنا – نحن الفتيات – نهرول وأكفنا على آذاننا عند انطلاقها:
أنا نعمة الله والأجر على الله، تعالى ما أقولكشي، سلملي على البتنجان، أنا برَّاوية ومحدش قدر عليا …(وهناك ما لا يُقال) ..!
لم أصدق للحظة واحدة أدوارك في أفلام الجاسوسية بصفتها أفلاما وطنية، لم أصدق – لفوتو ثانية – أنّ فيلمك (الباطنية) استطاع أن يعجّل بصدور بعض الأحكام القضائية للقضاء على ظاهرة ترويج المخدرات، كما زعمَت بعضُ الأقلام التي كانت تكبّر ، وتُوسعُ لكِ . كيف أصدق ووقد رأيتُ بعينيّ مئات الشبان يتزاحمون على صالات السينما لمشاهدة أفلامك، وهم يرفعون حناجرهم بالألفاظ البذيئة ، وهم يعدون بعضهم بعضا بمشاهدك الساخنة ..، يخرجون من دور العرض يترنحون عربدةً وابتذالا ، تجيطُ بهم سيارات الشرطة ، ويلاحقهم اشمئزازُنا وسخطنا ؟!
سناء جميل، أيتها العبقرية الساطعة، أيتها الموهبة الآسرة : أنتِ لم – ولن تموتي، كيف تموتُ – بالله عليكِ- نفيسة (بطلة فيلم بداية ونهاية) كيف تموتُ فضة المعدّاوي الجبارة (بطلة الراية الييضاء)؟ كيف تموت الست حفيظة زوجة العمدة – هذه الإنسانية المعقدة ببساطتها وتناقضاتها – (بطلة فيلم الزوجة الثانية)؟ والست روحية أم سيد الغالية جدا المصرية جدا جدا (فيلم إضحك الصورة تطلع حلوة)؟ كيف تصدقين أنّك متِّ ياست الكل يا صادقة الإنسانية والموهبة؟ كيف تموت الرصانة والموهبة التي لم يُنقص منها الالتزام الأخلاقي – كما يتعلل بعضهم – والصقل الثقافي الرفيع ؟!
صدقيني، من قال لكِ إنّ قيراط الحظ يغلب فدَّان الشطارة، لم يقل لكِ: إنّ ذلك يحدث، ولكن ..إلى حين، أيتها الجميلة . لو لم يكن هذا هو الحق، فانظري: من منكما ماتزال تنبضُ حيةً ، ومنْ منكما قُبرتْ منذ وُلدت ؟!
سناء جميل / نادية الجندي: قصة كل يوم ..قصة كل مجتمع ضرير .!
في محبتك سناء جميل، في محبة الجوهر الحر ، رغم كل زيف .
في مساندة الفن الحقيقي ، عشقًا له، وبعد أن أثبتت كثير من الأحداث تأثير الفن في المجتمع : أفكاره ، سلوكه .!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى