يد الشيخة مي آل خليفة النبيلة
د. إيهاب بسيسو | فلسطين
هي الإنسانة التي تتسع رؤيتها الإنسانية لتصبح خارطة محبة وحياة، هي الإنسانة التي صنعت وتصنع من مفردات الوقت اليومي جسوراً وحكايات للتاريخ والذاكرة والمستقبل.. هي المنسجمة حد التشبع مع عراقة دلمون القديمة وحاضر البحرين الثري في أزقة المحرَّق والمنامة وكامل خارطة البحرين المعاصرة حين امتدت رؤيتها الثقافية لتمزج التاريخ بالحاضر فوضعت بلاداً من أغنيات وأناشيد وكلمات وتراث بحارة وصيادى لؤلؤ على خارطة المعنى المتجدد.
الشيخة مي آل خليفة
كما أعرفها جيداً، وأفخر دوماً بمعرفتها وأحرص على التعلم من ثراء تجربتها ومدرستها الفكرية الثرية بالقيم الانسانية والوطنية الصادقة، مبدعة ومجددة ورائدة حقيقية، كما هي أخت قديرة وعزيزة وغالية، لها مكانتها في قلوبنا، نحن الذين عرفناها ونعرفها عن قرب، ورأينا قدرتها في جعل الفن والعمارة والثقافة موازياً موضوعياً للتاريخ والحاضر والرؤية الصادقة في جعل الثقافة قوة حقيقية في المجتمع من أجل غد مشرق لا يبعثر ملامحنا في الضباب.
الشيخة مي آل خليفة
رفضت مصافحة سفير دولة الاحتلال في المنامة خلال مناسبة عامة فتمت إقالتها اليوم من منصبها كرئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار، ولم تعد وزيرة للثقافة.. أقرأ الخبر بحزن وألم وأنا أفكر في تلك اليد، يد الشيخة مي التي صافحتنا مراراً، نحن الذين جئنا من فلسطين إلى البحرين مشبعين بصدى الصوت القادم من عمق الانتماء لنضالات الشعوب ضد الاضطهاد وسلب الحقوق الوطنية.
أستعيد الصوت، صوتها الذي لم يكف عن الترديد دوماً: الثقافة فعل مقاومة خصوصاً في ذلك اليوم الذي حملنا فيه صورة السيدة محفوظة عودة من قرية سالم في الضفة الغربية وهي تحتضن جذغ زيتونتها أمام جنود الاحتلال الموغلين في اقتلاع شجر الزيتون وتجريف ومصادرة الأرض الفلسطينية.
اليوم الشيخة مي تضعنا أمام صورة جديدة من صور الحقيقة الناصعة وهي أن الانحياز للانسان – الضحية أمام ماكينات الفولاذ القاتل لا يمكن أن يتجزأ بل يزداد ثباتاً وتماسكاً وقوة تؤكد على أن الانسان في المقام الأول حق وحرية.
لا تكمن القيمة الحقيقية للانسان في أي موقع رسمي أو في أي وظيفة عمومية أو خاصة، بل تكمن القيمة الحقيقية للانسان في الموقف وجوهر الانتماء للكلمة التي لا تعرف الصمت أو الحياد أمام ضجيج اللا عدالة الانسانية وصراخ الضحايا في متاهات الموت الاستعماري كل يوم .
سمو الشيخة مي آل خليفة
أختنا القديرة والغالية، من فلسطين المهد والمسرى والجبال العالية والبحر الذي لا يكف عن صقل أرواحنا كل يوم بضرورة الأمل، رسالة مشبعة بكل المحبة والتقدير لك ولِيَدك التي لا تشبه سوى نخلة العرب الشامخة في الحياة والذاكرة ومنارة من منارات الحرية المضاءة بروح الشموخ الانساني والوطني المُلهِم.
اليد التي لم تصافح صارت عنواناً جديداً مُلهماً لتحقيق العدالة الانسانية والوطنية، يد الشيخة مي آل خليفة النبيلة..
شكراً لك، ولِيَدك