مرض القهر المدرسي

توفيق أبو شومر | فلسطين

مَن منا لم يشاهد أطفالنا وشبابنا عندما يخرجون من مدارسهم، ويعودون إلى بيوتهم في غزة؟

ما أكثر من يتأوهون حينما يشاهدون الأعداد الكبيرة من الأبناء، فتدهشهم الأعداد ويقولون:

 كيف سيجدون الطعام والسكن والمأوى بعد سنوات؟

ليس السؤال السابق هو الذي أريد معالجته، ولكنني سأعالج قضية النزاعات التي تصاحب الأطفال والصبيان عند خروجهم، فكثيرٌ منهم يبدؤون جولات من المصارعة والملاكمة والضرب، وآخرون يصرخون ويعطلون المرور عن قصد،وآخرون يعبثون بالممتلكات العامة والسيارات المتوقفة.

إن ما سبق هو هي أعراضٌ لمرض (القهر المدرسي) الذي يُصيب أبناءنا في فصول دراستهم، وهذا القهر ناتجٌ عن المقررات الدراسية المحبطة وغير المثيرة والمكروهة، والتي تعتمد على الحفظ والاستظهار، وهو أيضا نتيجة طبعية لسوء الأبنية المدرسية واكتظاظ الفصول بأعداد كبيرة من الطلاب!

وإذا أضفنا إلى ما سبق ضعف أداء كثير من المدرسين المحبطين بسبب الأعداد والمناهج وضائقة الأجور والمرتبات التي يتقاضونها، فإننا نكون قد عثرنا على بعض الأسباب الرئيسة التي تساعد على انتشار مرض القهر المدرسي!

ولكنني أرى أن هناك سببا أكثر أهمية من الأسباب السابقة، وربما يكون هو أهم الأسباب وراء حلقات (الطوشات) اليومية التي تصاحب خروج طلابنا من مدارسهم، وهو انعدام فواصل التنشيط والترفيه والترويح، واقتصار اليوم المدرسي على الاستظهار والحفظ، فليست هناك ملاعب رياضية في أكثر المدارس،بل إن أكثر المدارس تستغل أية مساحة في الملاعب لبناء غرف دراسية جديدة لاستيعاب هذه الأعداد فتُلغِي الملاعب الرياضية، كما أن كثيرا من المدرسين وسدنة التعليم يعتبرون حصص التربية الفنية والرياضة والفنون مخزونات محفوظة لدروسٍ المواد الأخرى، فيعتدون عليها عندما يتأخرون في شرحها بادعاء مصلحة الطلاب(الحشوية) وبعضهم يمنعها لأنها مضيعة للوقت وتدخل في باب (اللهو)!

ويدخل في هذا الإطار انعدام التشويق في اليوم الدراسي، مما يؤدي إلى ظهور مرض القهر المدرسي، وهذا من نواتج غياب مشروعات الإبداع في أكثر المدارس، كالتنافس في الاختراعات، أو إعداد التمثيليات والمسرحيات، أو في القيام بأنشطة كشفية، والمساهمة في الخدمة العامة بكل مجالاتها!!!

 ولا أنسى في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كيف كانت مدارسُ غزة شعلةً من الأنشطة السياسية والثقافية، فهناك مسابقات بين المدارس في الثقافة، وهناك تدريبات على المقاومة الشعبية والتمريض، وهناك حملة لغرس الأشجار في الشوارع والمناطق الرملية، وما تزال أشجار الكينياء في بعض شوارع غزة وخانيونس ورفح باقية من ذلك التاريخ حتى اليوم!

إن مستقبلنا الفلسطيني معرض للخطر، لا بسبب الاحتلال والحصار وانعدام الأفق السياسي، وفق التحليلات السياسية فقط، بل بسبب  أمراض القهر المدرسية، وهي من أخطر أمراض المجتمعات،فهي تشلُّ حركة المجتمع، وتجعله عاجزا عن السير في طريق التقدم والرقي، ويصير المجتمعُ مجتمعا مُعوَّقٍا، يجلس متسولا على قارعة طريق العالم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى