سد النهضة.. أخطار وتوترات

د. صالح محروس محمد | أكاديمي مصري

في ظل تجاهل إثيوبيا مصالح مصر المائية وعدم السماع لصوت العقل هل المجال العسكري هو الحل؟ أم التوجه إلى المنظمات الدولية؟ في الوقت الذي ظهر للعيان المؤامرة الدولية للإضرار بمصر وتعطيشها ؟
فبعد حصول أبي أحمد رئيس الوزراء الأثيوبي على جائزة نوبل, بات المفكرون في مصر يربطون بين حصوله على الجائزة , وتشغيل السد والإضرار بأمن مصر المائي . بدت في الآونة الأخيرة استياء الجانب المصري من قرب تشغيل سد النهضة الأثيوبي والإضرار بمصالج وأمن مصر القومي المائي ودعوة مصر لوساطة لحل الأزمة بعد توقف المفاوضات.

ففي خلال الثماني سنوات الماضية جرت المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة، على مستوى الوزراء، والرؤساء من دون الخروج بنتائج مُحدّدة وواضحة. بدأت في ديسمبر 2013. وفي 26 سبتمبر 2018 أعلنت وزارة الريّ المصرية عدم التوصّل إلى نتائج جديدة، وإرجاء المفاوضات إلى وقت آخر، قائلة: “لم نصل إلى اتفاق حول النقاط العالقة”. وفي يونيو/حزيران 2018 اتفق السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد في القاهرة على تبنّي “رؤية مشتركة” بين الدولتين حول سد النهضة تسمح لكل منهما بالتنمية “من دون المساس بحقوق الطرف الآخر”.
لقد أكّد خبراء المياه على المخاطر التي تنتج من اكتمال سد النهضة وملء خزّان مياهه على الأمن القومي المائي المصري . فمنذ البدء في إنشاء سد النهضة الإثيوبي في الثاني من نيسان ( إبريل ) 2011 وبدء القلق المصري من فقر مائي وما يترتّب عليه من مشكلات تصحّر وتقلّص المساحة الزراعية لمصر، حيث تعتمد مصر على مياه النيل بنسبة لا تقلّ عن 90% .

فتبلغ السِعة التخزينية لسد النهضة 74 مليار متر مكعب، وهي مساوية تقريباً لحصتيّ مصر والسودان السنوية من مياه النيل. لقد أكّد خبراء المياه على المخاطر التي تنتج من اكتمال سد النهضة وملء خزّان مياهه على الأمن القومي المائي المصري ، منها وتقليل مساحات الزراعات ذات الاحتياجات المائية المرتفعة في مصر مثل القصب، وبالتالي زيادة فجوة السكر (32 % حالياً) وتقليل مساحات الأرز(هو محصول الحبوب الوحيد الذي تكتفي منه مصر ذاتياً ).

بالإضافة إلى تقليل حصّة مصر السنوية من مياه النيل بكمية تتراوح بين 10ـ 12 مليار متر مكعب سنوياً، ما يكفي لزراعة 2.5 مليون فدّان، وبالتالي ستنقص المساحة الزراعية بنفس النسبة. نقص كميات مياه النيل المُتدفّقة إلى البحر المتوسّط وبالتالي زحف مياه البحر المالحة إلى أراضي الدلتا والمياه الجوفية، ووقف جميع مشروعات استصلاح الأراضي والتوسّع الزراعي في مصر وحصول نقص كبير في كميات مياه المصارف الزراعية التي تُعيد مصر استخدامها في الريّ مرة أخرى، وارتفاع معدلات تصحّر الأراضي الزراعية وزيادة تركيز التلوّث في النيل والتِرَع والمصارف بسبب نقص التدفّقات المائية، وزيادة الفجوة الغذائية المصرية وارتفاعها إلى 75% من إجمالي احتياجاتها من الغذاء بدلاً من 55% حالياً وخاصة مع الزيادة السكانية .
لقد عُقِد مؤتمر دولي في معهد البحوث والدراسات الأفريقية جامعة القاهرة في 2014م بعنوان المياه والطاقة في دول حوض النيل إمكانات التكامُل والتنمية، وجّه المؤتمر رسالة إلى رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء ووزارة الريّ ووزارة الخارجية لتحقيق جملة من الأهداف، على رأسها مطالبة الجانب الإثيوبي بتفاوض جاد من أجل بحث قضية سد النهضة بما يحقّق حقوق الدول الثلاث في التنمية، وطرح عدّة حلول لهذه الأزمة ومنها مشروعات استقطاب الفواقد المائية وضمان عدم المساس بحصّة كل دولة في المياه واحترام الاتفاقيات الدولية المنظِّمة لتلك الحقوق، ومطالبة الجانب الإثيوبي بالإعلان عن احتياجاته المائية وخططة المستقبلية، وتنسبق ذلك مع كل من مصر والسودان.

أوصي المؤتمر أيضاً بتقديم مبادرة مصرية لدول حوض النيل بغرض تعديل اتفاقية عنتيبي الموقّعة في عام 2010 على أن تلحق بها مذكرة تفاهم بغرض إعادة توزيع حصص مياه النيل على أسس عادلة ومحقّقة لمصالح كافة الأطراف، تقوم على درجة اعتماد كل دولة على مياه النيل وعدد السكان ومعدّلات زيادتهم ودرجة الفقر المائي أو الوفرة المائية ونصيب الفرد سنوياً وفق القواعد الدولية .
في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة المصرية في خططها ترشيد استهلاك المياه وتقليل الفاقِد وخفض المساحة المزروعة من محصول الأرز الإستراتيجي من مليون ومئة ألف فدان إلى 724 ألفاً ومئتي فدان في محافظات الدلتا التسع.

وفي أبريل/نيسان 2018 وافق البرلمان المصري على مشروع قانون يقضي بتعديل أحكام قانون الزراعة لمنع زراعة المحاصيل الأكثر استهلاكاً للمياه مثل الأرز وقصب السكّر والكتّان، وتنفيذ مشروع لمعالجة مياه الصرف لحل أية مشكلة مُتوقَّعة لاستخدامها في الزراعة.

وبدأت بإنشاء محطات تحلية مياه البحر المتوسّط لتخصيصها للاستهلاك المنزلي والصناعي والسياحي في المدن الساحلية لتوفير مياه النيل للزراعة. وأخيراً تبقى أزمة ومخاطر سد النهضة قائمة بالنسبة إلى مصر والسودان.ولاتزال الأزمة مستمرة .

على أمل أن تراعي أثيوبيا مصالح مصر التي لا تقبل بالمساس بأمنها المائي. في الوقت الذي يتحدث فيه البعض عن تدخل عسكري مصري لأن الأمر مسألة حياة أو موت للمصريين تبقي كل الخيارات المفتوحة أمام الجانب المصري للحفاظ على أمنه المائي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى