أضغاث صحوتي.. في تأويل الطقس (1)
منال رضوان | مصر – الإسكندرية
اللوجة للفنان محمد رضوان
كنت كلما آلمني الخذلان، تحسست موضع الجرح الغائر بجسدي والذي لفظ ابني ذات صباح وسلمه إلى الموت.
بلى، ربما التأم جرحي – طبيًا – لكنه لم يزل يستصرخني كلما صادفني الإخفاق في اللحاق بركب السماء والتقاط النجوم ولملمة شذرات من ابتسامات القمر في ليال حانية وإن كانت قليلة.
في الأعوام الماضية قرأت آلاف الكلمات وحاولت كتابة الآلاف منها أيضًا، وتعرفت إلى أصدقاء جدد، وتخليت عن علاقات مؤلمة، أدركت أن الحياة لابد وأن تستمر،
وهالني الكم الذي تحتفظ ذاكرتي به عن أشخاص وأحداث وذكريات؛ فكان لابد وأن أتقاسمها مع أوراقي الصماء، ولعل ما حدث ذات صباح كان بداية الفكرة.
في يوم ما رأيت أحد الكُتّابْ، والذي قرأت له وأنا فتاة صغيرة، وشُغلت عن متابعته لسنوات، وفور رؤيتي له إذا بي أتلمس قسمات وجهي في ذهول قائلة:-
( يااه.. أنا كبرت.! ) ألهذا الحد سرقتني الأيام وخانني الجميع؟!
لكنها ذاكرتي التي استندت إليها في ثقة لا أجد ما يبررها، ورأيت على جدرانها نقوش أقلام الرصاص و ومداعبات الطباشير الملون وظلال خافتة من مرح بعيد في أروقة مدارس تحرص على تقليم الأظافر وتهذيب جدائل الصغيرات وتغليفها بطوق من “البلاستيك الأبيض” القابل للكسر واللي والانصهار بفعل المواقف والأشخاص.
– أما الآن، وقد خانتني ذاكرتي في مواضع عدة، ويبدو أن سعة استيعابها تمردت وبدأت في العصيان والتجرؤ على إزالة المساحات الممتلئة بالفقد والألم وبعض الفرح أيضًا، والذي ادخرته لإعانتي على مواصلة الرحلة؛ فقد قررت أن أكتب كل ما أتذكره من دون توقف…
سأكتب عن أحلامي الغريبة وخيالات متكررة تروادني، سأكتب عن تلك العجوز التي ظهرت لي في الظلام وأصابتني بحمى لم تغادرني إلا بزيارة غريبة من طائر “مبروك.! “.
عن ظني الساذج بأحد الأشخاص والذي يحمل آلة حادة شرع في مواجهتي بها، أنه كان يريد تهيئة الصناديق الكرتونية الملقاة إلى جواره ليفترش الأرض ويعرض بضاعة الأرصفة في شتاء سكندري قاس.. وكيف نجوت، وكيف نجوت أيضًا بمعجزة عجائبية من محاولة اختطاف وأنا في الصف الأول الثانوي!
لقد قررت الآن أن أكتبني كما أراني من دون خوف أو تجميل، وعلى أية حال لم أكن متميزة في شيء أباهي به، وظني أنني لم أتورط في آخر أخجل منه.. فقط أنا استسلم إلى غواية هذا الطقس المحبب – الكتابة – ربما استطعت ذات يوم عبر القص تأويل أضغاث صحوتي