الاحتفاء الضمني وتضميد الروح والنرجسية.. الإبداع الفلسطيني أنموذجاً
بقلم: عماد خالد رحمة | برلين
من نتائج حواراتنا الدافئة والساخنة مع العديد من المثقفين حول دور عدد من المفكرين والأكاديميين والشعراء الفلسطينيين والعرب،كان هناك إحساس ضمني بأنَّ الاحتفاء الفلسطيني والعربي إلى حدٍ ما بهؤلاء يأتي من قبيل تضميد نرجسية وطنية وقومية جريحة،بحيث يتخطى التباهي بأسماء بعضهم من أمثال سيد الكلام الشاعر محمود درويش،والمفكر والمنظر الأدبي إدواردسعيد،وهشام شرابي،وجبرا ابراهيم جبرا،وفدوى طوقان، وإحسان عباس، وغسان كنفاني وغيرهم كثير من الأمور، بمعزل عن نتاجهم الثر وابداعاتهم،وما يقوله النقد الأدبي والسياسي في بعده الجمالي.
لهذا نجد من خلال متابعتنا لمنتجات النقد أنَّ هؤلاء المبدعين قد خفتت الأضواء حولهم عندما رحلوا عن عالمنا، وما تبقى هو ترميز وأيقنة وتطقيس وبقايا تكريز. فالمفكر والموسيقي العربي الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد يعدّ من الشخصيات المؤثرة في النقد الحضاري والأدب، وقد نال شهرة ًواسعةً خصوصاً من خلال كتابه الهام) الاستشراق) المنشور عام 1978 م.
ونادراً ما نقرأ عنه كتب أو دراسات باللغة العربية وان كان مستمر الحضور باللغات الاخرى بخاصة اللغة الانكليزية، وأكثر من ذلك، فقد تم منع كتبه في فلسطين، بعد صدور كتابه الهام في نقد اتفاقية اوسلو.ومع ذلك تم تصنيف ما كتبه المفكر إدوارد سعيد بخمسة محاور،فكان المحور الأوّل استشراقي بكامل الإرث الاستعماري الكولونيالي قدّمه برنارد لويس الأستاذ الفخري لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون.
والمحور الثاني كان أيضاً في مجال النقد الذي وصل إلى حدّ النقضّ كما قدّمه المفكر السوري الراحل الدكتورصادق جلال العظم ،الأستاذ الفخري بجامعة دمشق قي الفلسفة الأوروبية، وكان أستاذاً زائراً في قسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة برنستون حتى عام 2007 م، كان النقد قد جاء في كرّاس بعنوان (الاستشراق معكوسا) ويبدو من خلال طرحه وقوفه الصريح مع المفكر البريطاني ـ الأمريكي برنارد لويس على الأرضية ذاتها لكن من مقتربات مغايرة الى حدٍّ ما. أما المحور الثالث فقد قدمه المفكر اللبناني الدكتور نديم البيطار،الذي ألَّف نحو إثنان وعشرون كتاباً أهمها كتاب (من التجزئة إلى الوحدة) الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت. وكان الدكتور نديم البيطار قد كرّس فصلاً كاملاً لنقد المفكر إدوارد سعيد في كتابه عن الهوية القومية.
أما المحور الثالث فكان من منطلق ماركسي هو ما كتبه المنظر الأدبي الماركسي والمعلّق السياسي الهندي اعجاز احمد الهندي عن كتاب (الاستشراق).
المحور الرابع محور (ابستمولوجي) معرفي قرأ كل ما كتبه المفكر الفلسطيني الأمريكي ادوارد سعيد كما هو بلا اسقاطات او تقويل ونموذجه المفكر المصري سالم حميش في كتابه (الاستشراق في افق انسداده ).
والمحور الخامس والاخير هو لغط شفوي لمن لم يقرأوا المفكر إدوارد سعيد، بل قرأوا عرضا صحافياً لما قدمه من أطروحات.
أما سيد الكلام الشاعر محمود درويش الذي لم يمضِ على رحيله بضع سنوات حتى تعرَّض للعديد من الانتقادات، كما تعرَّض لإعادة انتاج من خلال ما سطره شعرياً معتمداً على الميثولوجيا وبعض ما ورد في بعض الأديان، بحيث
اصبح عبر اعادة الانتاج تلك مجرد صائد مقاطع شعرية مُنتزعة من سياقاتها ومضمونها. وجبراابراهيم جبرا المؤلف والرسام، والناقد التشكيلي الفلسطيني الذي أنتج أكثر من (70) رواية وكتاباً وكتب ومواد مترجمة ، وقد ترجم عمله إلى أكثر من اثنتي عشرة لغة. كما كان أيضًا رساماً باهراً، وكان رائدًا في حركة الحروفية التي سعت بقوة إلى دمج الفن الإسلامي التقليدي في الفن المعاصر من خلال الاستخدام المتقن للزخرفي للنص العربي. وهو الذي غادر دنيانا في بغداد عام 1994 م بعد أن غرقت في الظلام.
فقد أكمل القصف الوحشي مهمة الموت ضمن متوالية قتل من فقدناهم في ثقافة العرب المعصورين عصراً وليس المعاصرين، فاختفت مسوداته التي تمثل نحو 23 كتاباً مخطوطاً ورسوماته وبعض وثائقه تحت اطلال بيته الكائن في شارع الاميرات في العاصمة بغداد.
والمفكر والمؤرخ الفلسطيني هشام شرابي الذي رحل في 13 كانون الثاني عام 2005م بمرض السرطان في بيروت لم يكن أوفر حظاً في رحيله شبه السري بعد أن توقف عن العمل في جامعة جورج تاون وانتقل إلى بيروت للعيش هناك.
هذا المفكر والمؤرخ كان قد تنبأ برحيله على نحو غير مباشر في كتابه (الجمر والرماد)، عندما اسدل ستارة نافذة الطائرة وهو يغادر فلسطين قائلا: لن اعود اليك يا وطني. رحل بعد أن ترك لنا أهم كتبه وهي: مقدمات لدراسة المجتمع العربي عام 1975 م ،وكتاب المثقفون العرب والغرب عام 1981م، تُرجم إلى العربية أثناء وجوده في بيروت، وكتاب النظام الأبوي عام 1988 م، وكتاب النقد الحضاري للمجتمع العربي (1991) وكتاب الرّحلة الأخيرة ،والكتاب الأخير (الجمر والرّماد).
أما الناقد والمترجم والمحقق الفلسطيني احسان عباس والملقّب بشيخ المحققين والنقاد العرب . وكان يُعتبر شخصية بارزة في الدراسات العربية والإسلامية في الشرق والغرب خلال القرن العشرين.ألف عباس ما يزيد عن مائة كتاب خلال مسيرته الأدبية، واشتهر بأنه أحد أبرز علماء اللغة العربية وآدابها وكان ناقدًا أدبياً مرموقاً .وكان استاذاً في الجامعة الأمريكية في بيروت.توفي في عمان في 1 آب عام 2003 م. لقد كانت حياته مشرّدة وكتبه مبعثرة وهو اللاجئ والنازح وهو من اجترح مصطلح جديد حول المنفى القومي أسماه (العالقون) .
الروائي والقاص والناقد والمترجم والمسرحي والصحافي غسان كنفاني هو الآخر تم اختزاله بمرور الوقت إلى مجرد شهيد مناضل استشهد في سبيل القضية الفلسطينية بعملية اغتيال في الثامن من تموز عام 1972 م، وعلى الرغم من الحفيف التراجيدي لهذه السمة وتلك الصفة الباسلة إلا أنه تم استخدامها لحجب ابداعه وما أنتجه خلف تسمية الناطق السياسي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،وكان كمعظم الكتاب والأكاديميين والشعراء والمبدعين قد امتلك طاقة الحدس ما جعله أديباً مرموقاً ومجازفاً في آن معاً حتى كتب (عائد إلى حيفا) ليقول بصوتٍ مرتفع بأن العرب قد عجزوا عن الدفاع عن فلسطين والشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية لأنهم لم يقرعوا جدران الخزان، فقد أصابهم الهلع والخوف والاستكانة. لقد كان اسم غسان كنفاني، عابراً للجنسيات والقوميات والبُلدان واللغات، وسار دون تردد في رحلة (رجال في الشمس)، و(أرض البرتقال الحزين)، و(عائد إلى حيفا) ، و(أم سعد) و(عالم ليس لنا)، و(موت سرير رقم 12) مع (القنديل الصغير)، وغيرها…
الشاعرة العربية الفلسطينية فدوى طوقان كان هناك من صّوب سهام النقد اللاذع لها وأطلقوا عليها بالكنافة المرة ،وهي شرّ النقد والمراجعة، وقد ينتهي الأمر في هذا المجال بهذه السلالة من النقاد إلى أن تهجع على يافطات نحاسية ودروع تكريم على نواصي الشوارع الكبيرة اذا اطلقت أسماؤهم عليها. وكانت قد أنجزت العديد من الأعمال الشعرية منها: مجموعة شعرية بعنوان: (أعطني حباً )،و(على قمة الدنيا وحيداً) ، و( تموز والشيئ الآخر). و (اللحن الأخير) .