العنف ضد المرأة يستفحل.. مَن يوقف هذا النزيف؟

محمد المحسن | تونس
“كلما تفاقمت ظاهرة العنف في مجتمع معين فإن ذلك يعكس ضعف الدولة”. المختص في علم الإجتماع (محمد الجويلي)
رغم التطورات الكُبرى التي شهدها واقع المرأة دولياً منذ عقود إلاّ أنه ما زال العنف ضد المرأة وصمة عار فى جبين الإنسانية،فواقع الإنسانية يقول: إنَّ من بين كل ثلاث نسوة في العالم تتعرض واحدة على الأقل في حياتها للعنف، وهناك أكثر من 60 مليون أنثى حُرمن من الحياة جراء عمليات الإجهاض الانتقائية الرامية إلى التخلص منهن ومن جنينهن.
ولا يمر عام إلا وتتعرض الآلاف من النسوة للاغتصاب على أيدي الأقرباء أو الأصدقاء أو الغرباء أو أرباب العمل أو الزملاء في العمل أو جنود وأفراد الجماعات الإرهابية المسلحة! وتحت مسميات أخرى ك”ملك اليمين” و”نكاح الجهاد” وغيرها.
أما العنف العائلي فقد صار هو الآخر بلاءً مستوطنًا في جميع أنحاء العالم والأغلبية الساحقة من ضحاياه هم من النساء والفتيات،وكثيرًا ما يربط بعض الناس العنف ضد المرأة بالدين الإسلامي إلا أنه كالإرهاب لا دين له فهو غير مرتبط بدين ولا بلد،ففي الولايات المتحدة -مثلاً- تشكّل النساء نحو أكثر من 80% من ضحايا العنف المنزلي، وضحايا الاغتصاب والإجهاض ليست ببعيدة عن مثل هذه البلدان.
أرقام مفزعة وأسباب مختلفة : استفحال ظاهرة العنف بتونس..ونواقيس الخطر تدَّق:
ظاهرة العنف استفحلت في تونس حتى أصبحت هاجسا يؤرق جزءا من التونسيين الذين فقدوا الإحساس بالأمان سيما بعد أن تسلّل إلى قبّة البرلمان.كما أصبح العنف عقيدة الجزء الآخر من الشعب وآليته الوحيدة للتعبير،حتى أن الأمر تطور وبلغ حد تصدير العنف إلى ساحات قتال خارجية..
اللافت في ظاهرة العنف في تونس أنها امتدت على نسبة عالية من فئة الشباب،حتى أن العنف أصبح السمة الطاغية على هذه الفئة.وهو ما جعل الخبراء يدقون ناقوس الخطر إيذانا بضرورة التحرك لتطويق هذه الظاهرة والبحث في اسباب تشكّلها وآليات تفكيكها.
بعض الارقام والاحصائيات المتعلقة بهذه الظاهرة تؤكد أن نسبة قضايا العنف في تونس بلغت 25 بالمائة من مجموع القضايا في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2017. حيث كشفت دراسة أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية حول “العنف الحضري بتونس”،أن المجموع العام لقضايا العنف في تونس تجاوز في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2017 أكثر من 600 ألف قضية مسجلة، أي بمعدل 25% من العدد الجملي للقضايا.وهو ما يعكس ارتفاع مؤشر العنف بالبلاد.
الباحث في علم الاجتماع ممدوح عزالدين يؤكّد ان منسوب العنف في تونس في استقرار ولم يصل بعد الى مستويات يمكن القول بأنها «مرَضيّة « وتهدّد المجتمع.وأكّد أن الأرقام المتعلقة بالعنف لم تتغير بشكل كبير مقارنة بسنوات ما قبل 2011.
وأضاف ممدوح عزالدين ان تسليط الضوء على ظاهرة جزئية او عابرة عبر وسائل الإعلام يجعلها تبدو في شكل ضخم.
وشدّد على وجود تغيّر في نوعيّة الجريمة بعد 2011،مشيرا الى أن محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه في فضاء عام تعبيرا عن احتجاجه ومحاولة لرد اعتباره كان صورة تم استنساخها في ما بعد عديد المرات بأشكال مختلفة .
واضاف ممدوح عز الدين أن ما يُلاحَظ هو وجود جرائم مجانية في الفضاء العام فيها الكثير من «المشهديّة « وهي جرائم مجانية بلا تاريخ او أسباب واضحة وتحمل الكثير من “السّادية”والتوحّش.كما اعتبر ان ما أصبح يُميّز الجريمة هو تداخل المرجعيات فهناك جرائم لها مرجعية تقليدية مثل “جرائم العروشية “وهناك جرائم حداثية مثل قتل الاخ لأخيه وقتل الزوجة لزوجها والزوج لزوجته ..حيث تحوّلت العائلة من إطار يحمي الفرد من الجريمة إلى مصدر للجريمة .
واعتبر المختص في علم الاجتماع محمد الجويلي في تصريح اعلامي أن العنف جزء من التركيبة البشرية.واشار الى ان ظاهرة العنف في تونس تفاقمت خلال السنوات القليلة الماضية ملاحظا أن العنف كان موجودا قبل الثورة ولكن الدولة كانت قادرة على إخفاء جزء منه لتكون بذلك هي الأكثر احتكارا لهذه الظاهرة.واضاف أنه كلما تفاقمت ظاهرة العنف في مجتمع معين فإن ذلك يعكس ضعف الدولة.
من جهته،قال وزير الشؤون الدينية،أحمد عظّوم،”إن للخطاب الديني التوعوي دورا كبيرا في التصدّي لكل أشكال العنف الذي قد يُسلّط على المرأة”.ولاحظ أحمد عظوم خلال ندوة إقليمية عقدت في الأشهر القليلة الماضية ببنزرت حول “حماية المرأة من العنف في المنظومة القيمية والقانونية” أن تونس لها جذور ضاربة في القدم في رفض هذه الظواهر المجتمعية”.
وأضاف أن مسؤولية مناهضة العنف ضد المرأة مسؤولية جماعية لوزارة الشؤون الدينية دور فيها، بالتعاون مع بقية أجهزة الدولة والمكونات المجتمعية.
يشار إلى أن الندوة انتظمت-وقتئذ-ببادرة من وزارة الشؤون الدينية ووزارة شؤون المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن وبالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة بحضور ثلة من الخبراء في المجال القانوني والمهتمين بقضايا المرأة عموما، من ولايات بنزرت وتونس وجندوبة وباجة وأريانة والكاف..
الاستاذة درّة محفوظ استاذة علم الاجتماع أكدت اكثر من مرة ان العنف ضد المرأة قد يكون في طور التفاقم نتيجة عدّة عوامل لعلّ ابرزها الضغط النفسي وصعوبة الايفاء بمتطلبات الحياة فالعنف ضد المرأة لم يعد سمة طبقة معينة من طبقات الشعب بل هو ممارسة تغزو كل الطبقات الغنية والفقيرة والجاهلة والمتعلمة ولكنها تتفاقم نتيجة الصعوبات الاقتصادية ونتيجة الانخراط في المجال الروحي لدى بعض الافراد الذين قد يفهمون فقط من الدين في مستوى العلاقة المشتركة بين الجنسين ما يبيح لهم تحقير المرأة وضربها باعتبارها ناقصة عقل ودين شرّع الدين ضربها لتربيتها كم نحتاج إلى ان نتجاوز التربية على قبول العنف داخل الاسرة وكم نأمل ان نتجاوز حالة الصمت والسكوت التي مازالت تقابل بها هذه الظاهرة رغم ان المشرّع في مستوى القوانين قد جرّم تعنيف المرأة وجعل الرابطة الزوجية ظرف تشديد في حال ممارسة العنف ضد الزوجة مازال الحلم كبيرا ان يتوفقّ الخبراء لحلول جدّية تمكن مجتمعنا من الحدّ من تنامي ظاهرة تعنيف النساء بكل انواعه سواء العنف المادي ام الاقتصادي ام النفسي.. ومازال الحلم كبيرا لكنّ الدرب شاق في بلوغ تربية ترسخ في الاذهان ان تعنيف المرأة ممارسة غير مقبوله كما ان اي نوع من انواع العنف سواء كان ضد المرأة او الرجل او الطفل هو سلوك ارعن ومرضي واجرامي.
وإذن؟
أن مسألة العنف المسلط على النساء إذا،ظاهرة خطيرة وتتطلب النظر فيها بأكثر جدية،وأغلب ضحاياه يكشفن عن العنف المادي وقد لا يتحدثن عن بقية أصناف العنف،ذلك أن العنف بمعناه الشامل والذي يشمل العنف والتحرش الجنسي والعنف الاقتصادي والسياسي لا يزال التبليغ عنه ضعيفا،ومن هنا لم نصل بعد إلى درجة الوعي للمعالجة والإحاطة بالنساء المعنفات والمتابعة النفسية لهن ولأطفالهن.
إن تحديد العنف لا يزال طبق التعريف القديم الكلاسيكي،وهو ما تعكسه الأرقام الحالية، فقانون مناهضة العنف ضد النساء،جاء ليكون أشمل ولحماية النساء والأسرة إلا أننا بعيدون عن الأهداف التي وضع من أجلها،ذلك أن الأرقام تكشف حقيقة مفزعة،وهو ما يستدعي معالجة ظاهرة العنف والإحاطة بالنساء أكثر،ومحاولات إيواء الضحايا وتوفير المعالجة النفسية لهن لأن هذا هو المطلوب،خاصة وأن ظاهرة العنف تؤثر على التنمية وتمس الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان،وبات بالتالي من الضروري تطبيق الدستور التونسي ووضع الآليات لحماية الحقوق الاقتصادية للنساء..
على سبيل الخاتمة:
إعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في 20 ديسمبر 1993 بموجب القرار عدد 48/104 وعَرَفتْ المادة الأولى منه مصطلح « العنف ضد المرأة » بأنه » كل فعل عنيف تدفع إليه عصبية للجنس ويترتب عليه،أو يرجع أن يترتب عليه،أذى أو معاناة للمرأة ,سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية ,سواء حدث ذلك في الحياة العامة والخاصة.
هوامش :
يحتفل العالم في الثامن من مارس باليوم العالمي للمرأة، الذي دشنت من أجله منظمة الأمم المتحدة للمرأة حملة باسم “أنا جيل المساواة: إعمال حقوق المرأة”.
ويذكر موقع المنظمة أن العام 2020 “محوري للنهوض بالمساواة بين الجنسين في جميع دول العالم”، وعلى رأسها بالطبع الدول العربية.
لامساواة بين الجنسين
وتقيّم المنظمة هذا العام التقدم الذي أحرزه العالم في ما يتعلق بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، وذلك بمناسبة مرور 25 عاما على إعلان بكين في المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة، والذي يعتبر خارطة الطريق للنهوض بأوضاع النساء والفتيات.
وتقر المنظمة بأنه رغم إحراز بعض التقدم، “إلا أن التغيير الحقيقي كان بطيئا بشكل مؤلم بالنسبة لغالبية النساء والفتيات في العالم.” وأنه “لا يمكن لبلد واحد أن يدعي أنه حقق المساواة بين الجنسين بالكامل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى