هل هناك أفلامٌ دينيّةٌ حقاً؟
عليّ جبّار عطيّة | إعلامي وكاتب عراقي
اعتدنا خلال ثلاثة عقودٍ من القرن الماضي على انتظار ما تعرضه محطة التلفزيون الأرضية من أفلامٍ توصف بالدينية في مناسباتٍ محددةٍ مثل رأس السنة الهجرية، أو نحو ذلك، وفي الغالب تكون الأفلام معادةً عشرات المرات، وحواراتها تكاد تكون محفوظةً عن ظهر قلب، بل صارت للأسف محلاً للتندر !
صار من المستغرب في هذه المناسبات رؤية فلمٍ ذي توجهٍ اجتماعيٍّ، أو عاطفيٍّ لو تجرأ معد مناهج برامج التلفزيون طبعاً !
ويبدو أنَّ القنوات الفضائية الحالية سارت على هذا التقليد في مراعاة بث المواد في المناسبات الدينية كتوقيت لعرض أفلام، أو مسلسلات تحت عنوان ديني مع نسخٍ معدلةٍ جديدةٍ محدثةٍ عن النسخ القديمة.
لكنَّنا نسأل : هل أنَّ ما يُعرض فيها يمكن تصنيفه ضمن الأعمال الدينية حقاً، أو يُعد من الأعمال التاريخية ؟
وما هو معدل الأمانة في التعبير عن الأحداث درامياً؟
و ما المعيار لتصنيف العمل تصنيفاً دينياً، هل هو المضمون مثلاً كأنْ تؤخذ حياة أحد الأنبياء، وتقدم معها تعاليمه، أو تُستلهم قصة من القرآن الكريم، أو الكتب المقدسة، وتُقدم برؤيةٍ دينيةٍ.
هناك مَنْ يرى أنَّ الفلم الاجتماعي الهادف يمكن أن يعد فلماً دينياً طالما كان إطاره العام يصب في التوجه الديني فتتوسع في ذلك دائرة الأفلام الدينية، لكن ما يعنينا هو الأفلام التي تتناول حياة الأنبياء، وتجسد تضحياتهم، وتنقل تعاليمهم ومبادئهم .
هناك إحصائياتٌ حديثةٌ تذكر أنَّ عدد الأفلام التي صُنعت عن حياة السيد المسيح في العالم تزيد على ثلاث مئة وخمسين فلماً منذ عام ١٩٠٦م ابتداءً بالفيلم الفرنسي القصير (ميلاد المسيح)، ومدته عشرون دقيقة، والفلم الأمريكي (من المهد إلى الصلب ) الذى أخرجه المخرج سدني أولكوت عام ١٩١٢م، وقد صوره في مصر.
لعلَّ أهم فلم عن حياة السيد المسيح هو فلم المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي (الإغواء الأخير للمسيح) المنتج سنة ١٩٨٨م، والمأخوذ من رواية للكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكيس ظهرت سنة ١٩٥١، وترجمت بعد خمس سنوات إلى اللغة الإنگليزية، و فلم المخرج والمثل الإسترالي ميل جيبسون (آلام المسيح)/ ٢٠٠٤م الذي يتحدث عن اثنتي عشرة ساعة في حياة السيد المسيح.
أما الأفلام التي تناولت حياة النبي محمّد صلى الله عليه وآله فلا تتجاوز عدد أصابع اليد لعلَّ أبرزها فلم (الرسالة) / ١٩٧٦م بنسختيه العربية والإنكليزية من بطولة عبد الله غيث، و أنتوني كوين للمخرج السوري مصطفى العقاد الذي أُصيب بتفجيرات يوم التاسع من تشرين الثاني عام ٢٠٠٥م في بهو فندق غراند حياة في عمان، وتوفي بعد يومين.
والفلم الأبرز هو فلم المخرج الإيراني مجيد مجيدي (محمّد رسول الله)/ ٢٠١٥م الذي بلغت كلفة إنتاجه ١٨٠ مليون دولار، وقالت عنه صحيفة الغارديان البريطانية (إنَّ الفلم عبارة عن انعكاس موَّسعٍ لجزئية طفولة النبي ومراهقته المبكرة، ويدور حول أمه آمنة وجده عبد المطلب، وعمه أبي طالب . ويسرد مجيدي ظهور هذه الموجة الثورية بأسلوب ملحمي وشاعري، وصادقٍ فكرياً).
و قد نجحت الدراما الإيرانية الدينية في تقديم نموذجٍ للدراما المتقنة في هذا المجال في أعمال مثل : (أهل الكهف)، و(مريم المقدسة)، و(يوسف الصديق)، وعد النقاد فلم (مملكة سليمان) الذي أخرجه شهريار بحراني سنة ٢٠٠٩م ثورةً سينمائيةً وإنتاجيةً، فالمؤثّرات البصريّة للفيلم نُفّذت وفق أهم المعايير العالمية. وكانت الموسيقى التصويرية من إنتاج الأوركسترا الصينية، وشارك فيها قرابة مئة عازف وعازفة.
لقد كانت أغلب الأفلام العربية تأخذ من سيرة المصطفى شيئاً، وتركز على سيرة شخصيات الصحابة ابتداءً من فلم المخرج إبراهيم عز الدين (ظهور الإسلام)سنة ١٩٥١م، وحتى فلم الرسوم المتحركة (بلال) الذي أنتج باللغة الإنكليزية في دبي سنة ٢٠١٥م،وربما تعود قلة الأفلام التي تناولت سيرة النبي الأكرم بشكل أساسي إلى المحاذير الكثيرة التي تقف أمام تسويق الفلم التي تعود إلى الاختلافات العقائدية والفقهية والفكرية، والتاريخية، وفهم النصوص بشأن بعض الحوادث المختلف عليها، أو جواز ظهور شخصية النبي، أو الصحابة في الفلم، وربما تكون كلف الإنتاج العالية في الأفلام الدينية هي التي تجعل المنتجين يُحجمون عن اقتحام هذا المضمار،
ترى هل يمكن أن نضيف سبباً آخر هو ضعف التدين عند العاملين بالوسط السينمائي !