رواية الميتافكشن (عاشقة من كنزاربا) للروائي عبد الزهرة عمارة
أ. د مصطفى لطيف عارف | ناقد وقاص عراقي
إن رواية الميتافكشن هي طريقة حداثوية جديدة إذ أن الروائي (عبد الزهرة عمارة) رجل ابتدع فكرة قراءة الرواية من قبل بطلة الرواية (رواز كريدي), ويكون النص في سياقه الصحيح , وتبدو أن هناك بطلة تروي قصتها كسيرة ذاتية, فنراها تقول: عام 1963 سجن العمارة المركزي.. زنزانة رقم 9 كان الوقت ساعة الظهيرة عندما قبض علي كنت قد حشرت مع طالبات في سن عمري في الزنزانة الضيقة حشرا مر أسبوع على اعتقالي من قبل إفراد الحرس القومي وقد قذفوني بلا رحمة في هذا السجن البائس بصورة مؤقتة بدلا من سجن بهو البلدية الذي غص بالمعتقلين والمعتقلات فلا يكاد تسع لمزيد من الأجساد الخاوية, والروايةُ الجديدة (رواية الميتافكشن) كما وصفها عدد من الروائيين، هي الفنُّ الذي يُوفِّقُ ما بين شغف الإنسان بالحقائق وحنينه الدائم إلى الخيال، ولعل هذا الوصف ينطبق على الفن بصفة عامة وعلى الرواية , بصفة خاصة، حتى لو ادعى الكُتَّابُ أنْفُسُهُمْ غيرَ ذلك إلاَّ أنَّ الروايةَ الجديدة تبقى إلى جانب ذلك عملاً أدبياً، أي لا بد للخيال من أن يكون له دور فيه، فالنص الأدبي لا يكتسب صفته الأدبية إلا بالانتقال من الواقع إلى التخْييل وبقدر نجاحه في ذلك يكون نجاح العمل بصفة عامة, وإذا أقررنا بنجاح عملٍ أدبيٍّ ما، فإن البحث عن أسباب النجاح هو بحث في قدرة الروائي (عبد الزهرة عمارة) على رسم الواقع بصورة جمالية تلامس صورتها الأصلية مع مسحة فنية للخيال, وهو يتحدث لنا عن المكان,بلسان الراوية / البطلة ( رواز كريدي ) فنراها تقول :وفي ليلة الأحد طوق بيتنا من قبل إفراد الحرس القومي وتم إلقاء القبض علي مرة أخرى واقتادوني هذه المرة إلى بهو البلدية بدلا من سجن العمارة المركزي, بهو البلدية غرفة التعذيب كانت عيوني معصوبة بقطعة قماش اسود شعرت بسوط بلهب ظهري الخاوي بضربات متتالية حامية تكورت خلف قضبان الباب الحديدي محطمة الجسد خائرة القوى هنا عمل فني ينهض على أحداث, ووقائع من حياة صاحبه مهما كان مغمورا, ولذلك يحدث أن تكتبها شابة غير معروفة كما في حالتنا هذه, أو يكتبها كاتب شهير كما في حالات كثيرة لكن هذا الاختلاف بين الرواية الجديدة , ورواية السيرة الذاتية لا ينفي أن بينهما تشابها بديهيا, مردّه أنهما كلاهما يستندان إلى تذكّر خاص لوقائع وشخوص من حياة الروائي , وتلك هي المشكلة: أنهما معا يقعان في المنطقة التي تفصل بين الخيال والحقيقة, إن صلة الإبداع الأدبي بِمُحِيطِهِ الاجتماعي والتاريخي هي من القضايا الفكرية المستعصية على التدقيق، وقد نتجت عنها استعمالات نظرية ومنهجية ذات مفاهيم تنتمي إلى عدة حقول معرفية: اجتماعية ونفسية وفلسفية، ولذلك فإن ما تقتضيه تلك الصلة حين يتعلق الأمر بالخطاب الحكائي هو الانتباه إلى حالة من التخييل المركب: ظاهر ومضمر، متحقق ومحتمل، محايد ومباشر، لولاها لظل أي تصوّر للتخييل الحكائي بعيداً عن امتلاك قيم ثقافية نوعية ودالَّة ,ولعل من أهم القضايا النقدية التي تناولها الروائي (عبد الزهرة عمارة) قضية الظلم والاضطهاد في روايته الجميلة (عاشقة من كنزاربا) والتي تميزت كتابته بشعرية عالية ,وشاعرية كبيرة , فهو يملك أسلوبا جميلا في تقنيات الكتابة الروائية, ولديه القدرة العجيبة في شد المتلقي بتسلسل الأحداث, والشخصيات ,والفضاء السردي الرائع, أن عنوان الرواية تم ذكره في الرواية نفسها عن طريق الساردة نفسها , ويبدو أن هناك علاقة عميقة لا مفر منها بين مخطط حياة الروائي (عبد الزهرة عمارة) الفرد كحكاية من ناحية, وبين شكل الرواية نوعا أدبيا جديدا يحتوي على تقنية حداثوية ظهرت لدينا في الكتابة الروائية الجديدة من ناحية ثانية لكننا يجب أن نلقي مزيدا من الضوء على هذه العلاقة الإشكالية المتزايدة في القص العراقي المعاصر ولا سيما انه يتحدث عن تجربة حقيقية للتعسف وإدانة حقيقة للممارسات إلا أخلاقية مع النساء البريئات, أو متخيليه عن الجرائم المخزية التي تمارس في السجون آنذاك, والذي يميز الروائي (عبد الزهرة عمارة) كتابة الرواية الحداثوية وهي ما يطلق عليها طريقة كتابة رواية الميتافكشن ; أضحت سمة مهيمنة على هذا القص ,لقد أصبح من دأب الكتاب أن يستخدموا موادا من حياتهم الشخصية الفعلية, وأن يعلنوا عن ذلك في متن النص الروائي نفسه, ولم يكن من قبيل المصادفة أن أشهر النصوص الروائية في السنوات الأخيرة كانت نصوصا ,سيرا ذاتية, أو شبه سير ذاتية, ومما يجدر ملاحظته هنا أيضا أن هيمنة الصيغة للسير الذاتية جاءت مواكبة لاتجاهات طليعية وتجريبية في الكتابة, لا في الأدب العربي وحده, بل في كل آداب العالم, لقد جاءت هذه الصيغة وكأنها إعادة اكتشاف للعلاقة الخصبة المربكة بين الذات والواقع, بين عالم الداخل ,وعالم الخارج, كما ترتكز رواية الميتافكشن على آلية السرد ألاسترجاعي التي تقوم بتفعيل عمل الذاكرة وشحنها بطاقةِ استنهاض حرّة ,وساخنة للعمل في حقل السيرة الذاتية, فنراها تقول:كنت متأكدة جدا من إنني سأصل إلى مثل هذا اليوم المؤلم منذ أن كانت طفولتي مضطربة وكان يوم ولادتي نذر شؤم على العائلة كما قالت لي أمي كان يومها قد عثر أبوك والتوت قدمه وسقط أخيك سروان من السرير على الأرض وهو لا يتجاوز عمره عامين وكاد يموت ,والرواية الجديدة التي تتضمن تقنية الميتافكشن يتكفّل فيها الراوي برواية أحداث حياته،عن طريق بطلة الرواية إذ تتحدث عنه بشكل مفصل ويجري التركيز فيها على المجال الذي تتميّز فيه شخصيته الحيوية، كأن يكون المجال الفني ,أو الاجتماعي, كلّما كان ذلك ضرورياً وممكناً، ويسعى في ذلك لانتخاب حلقات معيّنة مركّزة من سيرة هذه الحياة، وحشدها بأسلوبية خاصّة تضمن له صناعة نص سردي متكامل ذي مضمون مقنع ومثير ومسلٍّ، وتحاول راوية الميتافكشن الإفادة من كلّ الآليات السردية لتطوير نصّها, ودعمه ما أمكن بأفضل الشروط الفنيّة، على ألاَّ تخلّ بالطابع العام حتى لا يخرج النص إلى فن سردي آخر، ولا يُشْتَرَطُ على راوية الميتافكشن الاعتماد على الضمير الأوّل المتكلّم، بل قد يتقنّع بضمائر أخرى تخفّف من حدّة الضمير المتكلّم وانحيازه، بشرط أن يعرف المتلقي ذلك لكي لا تتحوّل إلى سيرة غيريّة، بحيث يظلّ الميثاق التعاقدي بين الكاتب, والمتلقي قائماً.