تجاهل بايدن حقوق الفلسطينيين وأنكر سيادة الدول العربية
سعيد مضيه | فلسطين
الإدارة الأميركية، جمهورية أم ديمقراطية، برئاسة ترمب او بايدن، تثبت المرة تلو الأخرى التزامها بمشروع تحويل فلسطين الى دولة لليهود، عنصرية وخالية، إن أمكن، من سكانها الأصليين. فالقراءة المتمعنة في ما واكب زيارة بايدن للمنطقة من تصريحات وبيانات سياسية، تؤكد أن “زيارة بايدن الى إسرائيل تفصح عن فرق طفيف بين إدارته وإدارة ترامب من حيث الدعم الحازم والفريد لإسرائيل”،وهو ما خلصت اليه لبروفيسورة مارجوري كوهن، الأستاذة بمدرسة القانون ثوماس جيفرسون، التي استنتجت أنن “الحكومة الأميركية، تستخدم دولارات ضرائبنا لمواصلة تمكين الاحتلال الإسرائيلي الوحشي وغير المشروع للأراضي الفلسطينية”.
مارجوري كوهين رئيسة سابقا لنقابة المحامين الوطنية وعضو اللجنة الاستشارية للدفاع عن أسانغ، وعضو مكتب الجمعية الدولية للمحامين الديمقراطيين. من مؤلفاتها “طائرات بدون طيار والقتل الهادف: قضايا حقوقية وأخلاقية وجيو سياسية”. نشرت مقالتها على الموقع الإليكتروني كونسورتيوم نيوز (لا تظهر امثال هذه المقالة بالميديا الرئيسة بالولايات المتحدة). جاء في المقالة: “تجاهل جو بايدن، وهو يتعهد ب ’الوقوف الى جانب دولة إسرائيل اليهودية و الديمقراطية.. تجاهل استثناء الشعب الفلسطيني من ’الديمقراطية‘ الإسرائيلية، التي لا يطالها غير اليهود. بايدن هو القائل، ’لست بحاجة لأن تكون يهوديا حتى تكون صهيونيا‘؛ وإسرائيل دولة ثيوقراطية (دينية) يهودية أقيمت حكومتها الصهيونية فوق أراض فلسطينية”.
تمضي البروفيسورة كوهن الى القول، ” أكد بايدن مع لبيد انهما سوف يواصلان العمل معا لإفشال جميع الجهود المبذولة لمقاطعة إسرائيل أو نزع شرعيتها ، وإنكار حقها في الدفاع عن النفس ، او استهدافها بغير حق في أي منبر مثل الأمم المتحدة او المحكمة الجنائية الدولية. يؤكد هذا ادعاء إسرائيل غير المشروع للدفاع عن النفس ضدالشعب الفلسطيني الرازح تحت نير الاحتلال؛ والطعن في تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب الإسرائيلية؛والتصويت ضد اي انتقاد يوجه لإسرائيل في الجمعيةالعمومية للأمم المتحدة”.
بايدن ينكر على الشعب الفلسطيني حقوقه في تقرير المصير والمقاومة وينكر عليه حتى انتقاد إسرائيل؛ وحيال الدول العربية لم يكن الأمر بأفضل حالا؛ فعلى الضد من الاستخذاء امام يائير لبيد، رئيس حكومة تصريف الأعمال في إسرائيل، بدا بايدن متنمرا وهو يخاطي رؤساء تسع دول عربية، يقرع ويتوعد.
في الخطاب الذي القاه في لقاء جدة قال : “سوف لن نغادر(المنطقة) ونترك الفراغ تملأه الصين، روسيا أو إيران. ولسوف نسعى للبناء على هذه اللحظة قيادة أميركية نشطة و مبدئية . الولايات المتحدة لا تنوي الابتعاد الى مكان آخر”.تختزل العبارة استراتيجية وتكتيك الامبراطورية الامبريالية، كما فسرها الحجة القانونية جون ويتبيك، المقيم في فرنسا. رأى المحامي الدولي أن عبارة بايدن تنطوي على أمرين هامين:
الأمر الأول أن “دول المنطقة مسلوبة المقدرة والحق في الوقوف على أقدامها، وتقرر مصائرها؛ إنما هي ملزمة دوما بأن تخضع لهيمنة قوة أعظم من خارج المنطقة، ولدى اميركا الرغبة التامة للاحتفاظ بموقعها المهيمن الراهن وتثبيته”.
والأمر الثاني ان “بلدان المنطقة ليست في وارد اعتبار للولايات المتحدة، نظرا لموروث شعوبها أو مجتمعاتها او تاريخها ، بل فقط لكونها مخالب في رقعة اللعبة الجيو سياسية العظمى التي عليها تنافس الولايات المتحدة خصومها المشيطنين، للاستحواذ على القوة والنفوذ” حسب ويتبيك.
مارجوري كوهن تسوق البراهين على جحود بايدن لإنسانية الشعب الفلسطيني: “بينما كان بايدن يتعهد بالولاء لإسرائيل كان آلاف الفلسطينيين في مسافر يطا المحتلة على وشك الطرد من بيوتهم. رغم ان الإجراء الإسرائيلي ينتهك ميثاق جنيف، ورغم إدانة مائة عضو بالكونغرس الأميركي للإجراء، فإن بايدن لم يستنكره. لم يلتق بايدن بالمواطنين في مسافر يطا أو أي مجموعة فلسطينية ممن تتهدد بيوتهم الهدم باموال دافعي الضرائب في الولايات المتحدة.
جاءت زيارة بايدن في أعقاب إقدام الحكومة الأميركية على تبرئة إسرائيل من اغتيال شيرين أبو عاقلة، الصحفية الفلسطينية الأثيرة، التي عملت مراسلة لفضائية الجزيرة طوال خمسة وعشرين عاما . خلصت الحكومة الأميركية الى ’أحتمال‘ قتل ابو عاقلة على أيدي الجيش الإسرائيلي، لكنها عقبت بالقول ما من سبب يدعو للاعتقاد بأن القتل كان متعمدا ، إنما نتيجة ظروف تراجيدية‘؛ اما خبير المتفجرات، كريس كوب-سميث ، بتكليف من فضائية سي إن إن، فقد استنتج بأن عدد آثار ضرب الرصاص على الشجرة، حيث وقفت أبو عاقلة، تبين ان القتل كان متعمدا‘، برهان على ان القتل لم يكن خبط عشواء، فقد كانت مستهدفة. الصحفية ابو عاقلة التي وضعت على رأسها خوذة معدنية وارتدت صدرية حملت شارة ’صحافة‘، أصابتها الرصاصة أسفل الأذن، الجزء الوحيد من وجهها المكشوف بدون حماية. وقالت صحفية أخرى مراسلة الجزيرة، شذى حنايشة، التي وضعت الخوذة والصدرية أن الجنود’لم يوقفوا إطلاق الرصاص حتى بعد أن انهارت أبوعاقلة..أصر الجيش على إطلاق الرصاص والقتل‘ “.
بايدن لا يدافع عن باطل إسرائيل فحسب؛ فهو، إذ يعتبر نفسه صهيونيا، يتبنى بالكامل مزاعم إسرائيل. يتجاوز الحقائق والوقائع، يكذب ويلفق وقائع مختلقة، يشكل صورة ملفقة للرواية الصهيونية ولمسار الأحداث على نمط الميديا الرئيسة بالولايات المتحدة الأميركية. أبدا لم يتركز اهتمام ميديا الرأسمالية على نقل الحقيقة. الرأسمالية تنطوي ممارساتها على قدر من الأكاذيب تلفق صورة مصطعة تجسر على تقديمها رسالة ما تسمى الإستابلشمينت، (الدولة العميقة،او ملأ القوم)، تعكس سلطوية الامبريالية وإسرائيل وهيمنتهما الآمرة وإنكار حقوق الإنسان.
“بايدن قدم الاعتذار لإسرائيل في مقابلة مع القناة الإخبارية الإسرائيلية 12 عن تصريحات نواب من الحزب الديمقراطي انتقدوا معاملة إسرائيل للشعب الفلسطيني، وقال ’إنهم قلة ، ارى أنهم مخطئون ، أرى أن ما قالوه غلطة، إسرائيل دولة ديمقراطية ، إسرائيل حليفنا ، إسرائيل صديقة‘ “، هذا ما اورده صحفي التقصي، كريس هيدجز في مقاله الأسبوعي الأخير على موقعه (ِشير بوست.كوم)، ونقل عنه موقع كونسورتيوم نيوز.
يضيف هيدجز: “ترفض الدبلوماسية الأميركية اشتراط معوناتها باحترام حقوق الإنسان ، حتى عندما تكرر إسرائيل هجماتها الدموية ضد المدنيين في غزة ، وتسم المنظمات الفلسطينية غير الحكومية بالإرهاب، وتقوم بإخلاء الأسر الفلسطينية من بيوتها، وتسيء معاملة الفلسطينيين والمواطنين الأميركيين من أصل عربي عند نقاط العبور وداخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. …بدون حياء تقدم الولايات المتحدة الدعم لحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، بما في ذلك نقض قرارات الأمم المتحدة التي تشجب ممارسات إسرائيل… بايدن ضعيف في إسرائيل، بلا قوة تردع التوسع الاستيطاني والهجمات المتكررة ضد الفلسطينيين، ولا يرغب في إعادة السفارة الأميركية الى تل أبيب من القدس ، حيث نقلها ترامب منتهكا القانون الدولي ؛ تهافتت هيئة إدارة بايدن لمستوى ترجي إسرائيل أن لا تضايق بايدن ، مثلما ضايقته عام 2010 ، حين زارها كنائب الرئيس، وأثناء زيارته أعلنت إسرائيل انها ستبني 1600 وحدة سكنية لليهود فقط بالمستعمرات المقامة على الأراضي المحتلة شرقي القدس!”
يفسر لنا هيدجز في مقالته استخذاء بايدن ، ممثل الدولة العظمى امام يائير لبيد ، ممثل دولة تتسلم منها البلايين كل عام: “… اميركا نكتة مريرة، وستسوء امورها اكثر عندما يستولي المسيحيون الفاشيون ومنظرو المؤامرة على الكونغرس في الخريف القادم، وأتوقع أن يستولوا على الرئاسة بعد سنتين”. بايدن يستجدي اصوات الناخبين الأميركيين لإنقاذه؛ إدارته ستكون مشلولة أذا هيمن الجمهوريون على مجلس النواب علاوة على هيمنتهم على مجلسالشيوخ. بايدن يتوسل الأصوات الأميركية، المرتهنة للصهيونية ، وهذا ما يشين الديمقراطية الأميركية ويفضح زيفها.
فاشية المسيحية الأصولية تمارس هجومها على الديمقراطية الأميركية ، تتغلغل في الأجهزة والمؤسسات ومنها المحكمة العليا، تنظم الميليشيات المسلحة في أنحاء البلاد ، تضيق الخناق على الديمقراطية، ولا تصدها ليبرالية الحزب الديمقراطي . الى جانب ذلك تمارس بصورة منهجية تغيير التربية من حيث المنهاج وأسلوب التعليم. بات التعليم ، خاصة في الولايات التي يحكمها الجمهوريون، لا يشكل خطرا على الديمقراطية وحسب، بل يمهد أيضا الاسس البنيوية والإيديولوجية للدولة الفاشية. السياسات التعليمية المتبعة “موبوءة بالإكراه والاستبداد المقترن بالاستبداد الاجتماعي وموت الخيال الاجتماعي”، حسب تعبير عالم التربية هنري غيروكس؛ ويضيف: “مؤسسات التعليم غدت على جميع مستوياتها في الولايات الخاضعة للحزب الجمهوري مختبرات لإنتاج التعليم النازي، على غرار التعليم المؤطر بالقمع الذي طبق في ألمانيا النازية في ثلاثينات القرن الماضي. يجري توجيه التعليم باتجاه ما اعتبره المربي الأميريكي ، ديوي، “كسوف الرأي العام”، وهو ما يشكل اعظم المخاطر على الديمقراطية. النظام التعليمي المتبع لا يعيد إنتاج استغلال الشرائح المحرومة في المجتمع على اسس طبقية او عرقية، بل هو حرب على قدرة التفكير والمساءلة والاشتغال بالسياسة بروح نقدية متسلحة بالمعرفة وبالرغبة في محاسبة السلطة… النظام التعليمي دعاية لتفوق العرق الأبيض، يشن هجوما واسع النطاق على نظرية العرق النقدية والتربية النقدية بوجه عام. الهجوم على التعليم العام والعالي يشكل نموذجا من تربية الأبارتهايد.
هكذا هو ايضا نظام التعليم في إسرائيل، تعليم الأبارتهايد، تقنعه إسرائيل ومها دول الغرب الامبريالية بتوجية تهمة العنصرية لمنهاج التعليم الفلسطيني.
نعود الى كريس هيدجز: “ان الولايات المتحدة ومعها إسرائيل تشنان الحروب على المسلمين ، الذين يقدر تعدادهم ب 1.9 مليار نسمة، أي ربع البشرية. حولت الولايات المتحدة الكثيرين من العالم الإسلامي الى أعداء. العالم الإسلامي لا يكره الولايات المتحدة لقيمها؛ إنما يكره نفاقها، وعنصريتها، يكره رفضها احترام تطلعاتهم السياسية، وهجماتها المميتة واحتلالاتها العسكرية وعقوباتها القاصمة للظهر. .. ان سجن جوليان أسانغ (الذي نشر فيديو طاقم طائرة هيليوكبتر أميركية كانوا يضحكون وهم يطلقون النيران على جمهور في إحدى ساحات بغداد عام 2007) مؤشر آخر على استخفاف الإدارات الأميركية بحياة شعوب الشرق كافة. بدلا من الاعتذار “عمدت الولايات المتحدة، تدعمها بريطانيا، الى تدمير أسانغ نفسيا وجسديا…”.
تحسب تقديرات معينة أن الولايات المتحدة مسئولة مباشرة او غير مباشرة عن قتل ما يقارب العشرين مليون إنسان منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية “، اورد هيدجز في مقالته.
إسرائيل ، الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط ، تمضي في حملة متواصلة لتنظيم هجمات على مواقع إيران النووية وضد علماء إيران النوويين، تم اغتيال أربعة منهم على أيدي إسرائيليين، كما يُعتقَد، خلال الفترة 2010-2012؛ وفي تموز 2020، دمر موقع ناتانز النووي بقنبلة حارقة تعزى لإسرائيل. وفي نوفمبر 2020 استخدمت إسرائيل رشاشا يعمل بتحكم عن بعد لاغتيال كبير علماء الذرة في إيران. ولونفذت إيران هجمات مماثلة داخل إسرائيل لردت بحرب طاحنة.
الولايات المتحدة وإسرائيل تحملان للعالم المعاصر رسالة العدوان والتسلط العسكري واستلاب الشعوب الحق في التحرر والسيدة الوطنية والتنمية الاجتماعية والتقدم..