الحاجز ليس باب ثلاجة في الصيف.. إغلاق الاحتلال لحاجز بيت حانون/ إيريز
د. إيهاب بسيسو | فلسطين
إغلاق الاحتلال لحاجز بيت حانون/ إيريز لا يشبه إغلاق باب الثلاجة في الصيف لحفظ ثمرات البطيخ والخوخ والعنب من القيظ.
وإنما يشبه تلك العادة المكررة في استعادة غطاء التابوت من العدم، تلك العادة التي لا يستطيع الاحتلال التخلي عنها بأي شكل من الأشكال، وإلا يصاب مفهوم الاحتلال بخلل في التعريف، فلا احتلال بدون إغلاق وعزل واعتقال وهدم واغتيال ومصادرة ومنع وقهر واضطهاد وحواجز عسكرية وأسلاك شائكة، وممرات ضيقة لمرور بشري مراقب بأحدث الأجهزة الرقمية …
الاحتلال – كما نعرف – يحرص دوماً على صورته اليومية في أعيننا، والتي تتجلى فيها البشاعة بكل مفرداتها القاسية، لذا يأتي إغلاق حاجز بيت حانون/ايريز وحاجز كرم أبو سالم كنوع من التذكير القهري بذلك، بغض النظر عن أي حجج أمنية أو سياسية يريد تسويقها إعلامياً، فمع أو بدون تلك الحجج تم ويتم تنفيذ الإغلاقات مراراً حيث لا يستطيع الاحتلال التخلي عن تلك الأدوات من القهر والاضطهاد …
ليس المقصود هنا بالكتابة عن الإغلاق، السعي إلى تكرار ما هو موجود أصلاً منذ اكتشفنا مبكراً مرادفات الخراب مع تواصل وجود الاحتلال بين أنفاسنا المتعبة …
ولكن الإصرار على استعادة الذاكرة والوقت المحاصر بمفرداتنا الخاصة وليس بمفردات الاحتلال، الذي يظهر بها على وسائل الإعلام بدور الضحية المتحضرة والتي تخشى من تهديدات هجوم “قبائل الغزازوة” وراء السياج والحواجز …
مع إغلاق الحواجز تظهر مفردات الاضطهاد مجدداً بكل وضوح والمتمثلة بالكثير من الحكايات الانسانية التي لا يكترث لها جنود الاحتلال أصلاً، ولكن قد يكترث لها الانسان عموماً إن أراد ذلك …
لن يكترث الاحتلال لمرور المرضى، ولا إلى فقدان العديد من الطلاب لفرصة مرور محددة عبر الحاجز من أجل السفر إلى الخارج ولا إلى إعاقة سفر العديد من العائلات عبر حافلة مخصصة لنقل الغزيين مرة أو مرتين في الأسبوع من الحاجز مباشرة إلى الجسر ومنها إلى عمان، العاصمة التي تنطلق منها الطائرات محملة بالحكايات الفلسطينية صوب جهات العالم البعيد …
تبدو تجربة الحصار المريرة على غزة طوال السنوات الماضية، والمتناسلة من ذات الوجع جيلاً بعد جيل قد أفقدت الكثير من الحكايات وهجها الانساني حين يبدو أن قصص الحصار قد دخلت في حيز الاعتياد اليومي الذي لم يعد يثير همة منظمات حقوق الانسان الدولية – على الأقل – في الانتباه لطبيعة هذه المعاناة المتواصلة …
الأخبار الواردة عبر منصات الإعلام المختلفة تولي اهتماماً لجانب الاحتلال من الرواية من حيث إغلاق طرقات وتحويل مسارات لمرور مستوطني غلاف غزة والذي تسبب في الكثير من الاحتقان لديهم بسبب الازدحام واختناقات مرورية مفاجئة …
إنها المشهد السوريالي لمستعمِر يفرض الحصار من أجل زعمه حماية مستوطناته الكولونيالية، فيتفاجأ من غضب مستوطنيه من الازدحام الذي ترتب على سياسياته الاستعمارية ضد الشعب المُستعمَر …
ملاحظة ضرورية: ربما في ظل الحديث المتواصل والمدروس أحياناً لدى البعض اقليمياً ودولياً عن تجذر الانفصال جغرافياً وسياسياً بين الضفة وغزة والقدس وفلسطين ٤٨، يظهر الاحتلال وبدون أن يقصد برسالة مفادها، أن هذا الشعب موحد رغم كل سياسات الفصل والعزل، فحادثة اعتقال استعمارية واحدة في جنين تدفع الاحتلال لحصار الجنوب وقطاع غزة خشية من ردة فعل محتملة …
وكأن الاحتلال يناقض نفسه بنفسه ويؤكد أنه رغم كل سياساته البشعة على أن هذا الشعب لا يمكن تجزأته بشرياً وسياساً، إنه يقول ذلك بكل جرأة وارتباك في نفس الوقت …
مرة أخرى، الحاجز ليس باب ثلاجة في الصيف