فنان مبدع من بلادي.. جلال كامل في بحيرة الوجع

عبد الجبار نوري | أديب وباحث عراقي مقيم في السويد
تكمن أهمية السينما في أنهُ يشكل ضلعاً هندسياً مهماً من وسائل الأعلام حيث يكون السباق في تقديم الحدث اليومي في القضايا السوسيولوجية الأجتماعية وقضايا الساعة وبشكل موثق حيث برزفي هذا المجال الحيوي صانعي الأفلام الذين توكل أليهم (أرخنتها) للأجيال المستقبلية القادمة.
وشهد الزمن الجميل في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي فترة ذهبية في رغبة الجمهور الشديدة لصداقة السينما، حيث تعتبر السينما الركيزة الأساسية في أثارة الوعي ونقل الأحداث اليومية إلى الشارع، كيف لا وهي واحدة من ثلاثة أحداث واعدة ومفرحة التي هي: مسابقات كرة القدم والأولمبيات ومهرجان كان السينمائي.
جلال كامل فنان عراقي الجنسية ولادة بغداد 1975 متزوج من الممثلة العراقية سناء عبدالرحمن ، متعدد المواهب بدأ مغنياً ثم عازفاً على ألة الكيتار الموسيقية وهو يكمل مسيرته الفنية بأصرار وأجتهاد وأقتحامية بأنتقاله إلى التمّثيل ثم إلى عالم الأخراج حيث يستقرمهنيا إلى عالم لُقب مخرج وممثل .
وأظهربراعة في فن التمثيل بأخذه البطولة في أفلامه (اللوحة، والأسوار، والعربة والحصان، وصخب البحر، وكان في الغد وفيلم سحابة صيف)، وأبدعنا في ليالي الشتاء بمسلسلاتهِ الشيّقة (النسروعيون المدينة، ومسلسل أيام ضائعة، والهاجس، وعنفوان الأشياء)، وتألق في الأخراج بمنجزات أفلام واقعية مثل: الهروب إلى الوهم 1996، ورجل فوق الشبهات 2000، القضية 238، وهذا هو الحب 2005، وحضوره المبهر في فيلم بحيرة الوجع.
عند مشاهدتي عرض الفيلم العراقي {بحيرة الوجع} على صالة المسرح الوطني في بغداد خريف 2015 ، وبصراحة شديدة أثارت لدي مشاعر متعددة الأتجاهات أبرزها الفخر والأعتزاز بهذه الخطوة الفنية الرائعة للمخرج العراقي الأقتحامي والمبدع “جلال كامل” الذي زج بكل أمكانياته المتاحة لأرجاع ما فقدناه في كل شيء وخاصة السينما بوابة العالم الثقافية، والشيء الثاني قد أثار لدي شجون وآلام وأحباط عن تهميش هذا الفن ووضع علامة كروس على بواباته، وأثار فينا مواجعنا نحن جيل الستينات والسبعينات للقرن الماضي لتلك الفترة الذهبية بل الماسية في تطور فن السينما وأزدياد المطرد لمرتاديه وأزدحام شباك التذاكر وأرتفاع سقف الطلب عليه مما شجع القطاع الخاص ألى بناء صالات دور سينما راقية فيها التكنيك المعماري الحديث من تبريد وشاشات عملاقة وكراسي وثيرة وكامرات حديثة وطاقم أداري وعمالي لخدمة المرتادين مثل سينما النصر وسميراميس وأطلس والخيام وروكسي وريكس ، وقد لحقنا بالسينما العالمية لولا الروح الجاهلية (لبعض) أصحاب القرار السياسي بعد السقوط وأحسن نزار قباني حين قال: لبسنا ثوب الحضارة والروح جاهلية.
وكان من ضمن مشاريع المخرج والممثل المبدع جلال كامل وذلك بتصوير فيلمه الروائي الطويل (بحيرة الوجع) ضمن فعاليات {بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013 ليحكي هموم العراقيين المختلفة بعد الأحتلال الأمريكي البغيض للبلد عام 2003 وما رافقهُ من عنف أجتماعي وسياسي وحرب طائفية وقتل وتهجير، وهو فيلم يحاكي الدراما العراقية ، وأن الفيلم يتحدث عن الأحداث التي حدثت ما بين عامي 2006-و2007 والتي طفحت بمساويء الأحتلال الأمريكي.

تناول الفيلم :
-التهجير والقتل التي قامت به المجاميع الأرهابية والميليشيات لمصالح شخصية بحتة، أستعملت الدماء العراقية من أجل تحقيقها.
– وهو يناقش الأحداث والوقائع والمشاكل الأجتماعية بعين وطنية محايدة .
– وهو يجسم صراع إرهاصات القيم الظلامية التي دخلت إلى المجتمع العراقي ومعها فايروس فتاوى الضلالة.
– وهي رسالة ضد الجهل في موروثات العادات والأعراف القبلية الرجعية البالية والتي أمتزجت مؤخرا مع التطرف والغلو الطائفي والأثني وحتى الامناطقي، وخطوطها الحمر في المحرمات – وما أكثرها – مثل (الفن والمرأة والرياضة) وأحلال التعايش والمحبة والحوار، ويمكن أن أقول {إن الفيلم قد أكد على المعادلة السوسيولوجية المجتمعية بأن {العنف يفقد البلد قدرته على التطور وبالتالي أيقاف عجلة الحياة}
– وأن موضوع الفيلم أجتماعي أساسهُ الموسيقى، أنهُ فيلم ناجح حيث كان فيه الأداء جميلا ومعبرا ومتميزا ، وأن عنوان الفيلم (بحيرة الوجع) وهو تحوير ونحت جديد لعنوان موسيقى المعزوفة العالمية الشهيرة (بحيرة البجع) من روائع الموسيقي الرومانتيكي الروسي “تشايكوفيسكي” التي ألفها في عام 1887م، والتي تضاف إلى تراثه الموسيقي العالمي في {الجمال النائم وكسارة البندق والأميرة النائمة} تتضمن بحيرة البجع أربعة فصول أستعراضية موسيقية راقصة في باليه درامي وعُرض كفيلم في موسكو عام 1887، تعتبر من روائع الأعمال الكلاسيكية سواءاً في عالم الموسيقى أو رقص الباليه، وهي تمثل الأنوثة في أنقى حالاتها، وفي 1968 رقصت الممثلة الأمريكية الشهيرة (باربارا سترايسفد على هذه المقطوعة في فيلمها (فتاة مضحكة)، وتبعتها السينما الأيطالية في أنتاج فيلمها الكلاسيكى الأستعراضي (الأنوثة) بالأعتماد على راقصة الباليه المشهورة الأيطالية الموهوبة (بيرينا لينفناني)ومشاركة الراقصة العالمية (بافل غيردت) .
ألا أن المخرج المبدع “جلال كامل” في بحيرة الوجع وقف موقفاً حازماً من:
التقاليد العشائرية المتخلفة وعالج المواقف السلبية من المرأة التي همشتها الموروثات القبلية وفتاوى الظلالة ، ومرافقة أحداث الفيلم بالعزف الموسيقي وتوليفة مع سرديات الفيلم لهو تحدي للظلامية بأستخدامه الفن كوسيلة للتحدي والمقاومة وهو كون طغيان التزمت الديني على عموم المنطقة العربية والتي تمتعض من الفن والموسيقى والرياضة.
والجانب الأكثر متعة تلك اللقطة الرائعة من المخرج المبدع “جلال كامل” في استخدام (القربة) الموسيقية وهي بيد الأطفال وتوليفها الشجي مع “انشودة الحياة” والأمل والسلام من شعر الشاعر البصري الجميل المتألق(كاظم حجاج) ولحن جلال كامل:
في البدأ كان الرافدان
وكانت الدنيا دخان
لا بارق خلف المدى
والأفق ضاق
حتى بدى مثل الندى
وجه ا لعراق
يالها من كلمات ملائكية وبألحان سماوية مليئة ببراءة الطفولة وهم حاملين أيقونة الحياة والسلام والتآخي بين مكونات الشعب العراقي وكأن المشهد الأخير رسالة فحواها {الجيل الجديد سوف يقضي على التخلف لأنه تسلح بالعلم والمعرفة ومبدأ الحوار وقبول الآخر وطبع هوية المواطنة الحقة لخلق الأنسان الأيجابي وكلي أمل وتفاؤل وثقة بلا حدود إن وطني وحبيبي العراق المفدى لا لا لن يموت لكونه علّمّ العالم أبجدية الحرف الأول}.
المجد للمخرج والممثل المبدع والمتألق “جلال كامل” ونحن بأنتظار أبداعات قادمة في أحياء عالم السينما العراقية الرائدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى