أوّلهم إبراهيم..

محمد جميل خضر
لا صورة شخصية تجمعني بالشهيد الرجل إبراهيم النابلسي..ولا صورة لي مع الفنان الراحل داود جلاجل..ولم يكتب لي أن أتصوّر مع المسرحي والشاعر والنحات السوري الحُر غسان الجباعي..وبالتالي سوف أكتب عنهم دون أن أستعرض صوري معهم..فهي غير موجودة أصلاً.
– ولكن ما الذي يجمع بينهم؟
– أنهم جميعهم ذهبوا إلى دار العدل المطلق.
    أولهم إبراهيم..فالشهداء أكرم أهل الأرض،وأنبل من حوّل الفكرة إلى حياة من دم وبسالة وفداء.
     أولهم إبراهيم فهو في عمر الغصون النضرة.. قائد شاب..والقيادة في حالة النضال الفلسطيني ليست بالوراثة، ولا بالواسطة، ولا بقوة البطش والبلطجة..ولا درعاً يُمنح في التظاهرات العربية الهزيلة..إنها انتزاع ممهور بالشجاعة ورباطة الجأش.. وهو ما برهنه إبراهيم وهو يرسل رسالته الصوتية الأخيرة..وما أثبتته والدته التي درّبها الفتى على الصبر والصلاة..
     أوّلهم إبراهيم الذي رسم مصيره بيقين إيمانه ونور رؤيته.. ولم ينتظر السرطان، أو حادث السير، أو أثر الزمن والسجن والأسى فوق جسد متعب،كما فعل، على سبيل المثال، غسان جباعي.
     أوّلهم إبراهيم وهل أحب إلى الله من الشباب،بركةً وحركةً وطاقةً تفجّر الأرض قناديل أمل، وترفع علماً واضح البوصلات فوق عيبال..
أوّلهم إبراهيم يحفر فوق الأرض قصة الأرض..يذوب في معصرة زيت عنيدة.. يشهق القُبلات ويرعى شجن القبّرات..
    أوّلهم إبراهيم فلسطينيُّ الهوى والأغاني.. يوميّ التفاصيل الصغيرة.. عاديّ النظرة في عينين ساميتيْن ترفّعتا عن متع فانية.. قادتا السهم إلى حيث ينبغي أن يسير..
أوّلهم إبراهيم وليس إبرام الذي أبرموا، افتراء عليه، اتفاق خنوع لا يرضى به كل الأنبياء..
    الثورة فكرة يا إبراهيم.. يا أول القول وأندى ما تجود به الكروم.. الثورة بنت الناس روح الناس أمل الناس طهر الأرض من الدنس.
   الثورة فكرة يا داود.. والفن المحترم ثورة..الثورة فكرة يا غسان..وهل تحتاج بلادنا المطعونة بالأسى إلا لثورة تحوّل الفكرة إلى ثورة.. الثورة فكرة.. الفكرة ثورة..تنبت في الأرض اليباب فتحيلها إلى قصيدة خضراء..سيطلع من وحي إبراهيم مليون إبراهيم..سيطعنون الذين يكتفون بالشكوى..سيقلبون الموازين..سينتصرون ويثبتون أن الكف أقوى من المخرز..
لندع الصور الشخصية لعشاق نشرها بسبب وبدون سبب.. ولتبقَ صور الراحلين محفورة في وجداننا..صور الشهداء..هناك في عليين..حيث لا مكان إلا لمن يستحق العلا..وحيث دوّار الشهداء في قلب نابلس يحضن اليوم أيقونة جديدة مشعة بالضوء.. مسربلة بالمجد.. مطوّقة بالياسمين..وافرة العافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى