مرحباً أيتها الحرب

خالد جمعة

اقتربي يا بنتُ، لا تقفي بعيداً فأنا لا أراكِ جيداً، بل لا أراك مطلقاً في الحقيقة، في كل مرةٍ تأتين فيها للزيارة، تفاجئين الجميع، وتقولين بغنجٍ دكتاتوري: لا أحد يمكنه الاستعداد لي، فلا فرق إن أتيت خفيةً أو علانيةً… ونحن نعرف كما تعرفين أنك تكذبين.
خبئي لؤمك العسكري، واشتعلي في مكانٍ آخر، ولو قليلاً، دعينا لوقت نعرفه، نلملم أقدام أطفالنا وفتياتنا من بين الحجارة ونعيدها لأمكنتها، ونعيد الأمهات لأولادهن، والجيران لجيرانهم، والبيوت لساكنيها، والضحكات للأولاد الميتين، هي فرصةٌ لننقي البحر من حزنه، والرمل من دماء العاشقين المحتملين، لنفرش سجادة المعنى فوق أي شيء، ولو كان عشبةً نبتت في أصل جدار، أي شيء يدلنا على حياتنا قبل أن نعرف تفاصيلك، قبل أن نعرف من أي البلاد أنتِ وإلى أي وقت ستبقين في الحارةِ، وأي وقت هو وقت نومك، وما هي بالتحديد ساعة غضبك.
تعالي لنضع تفاهماً واضحاً بيننا وبين رغباتك اللامنطقية، مثلاً: نعطيكِ فرصةً للضحك، وتعطينا فرصةً للحياة، نزرع لك شجرة كينا لتستظلي تحتها من تعبك التاريخي، وتسمحين لنا بالوقوف دقيقة حدادٍ على أرواح موتانا الذين فقدنا فرصة وداعهم، أو، نرسمك لوحات على الجدران المائلة، ونمثل، نحن وأنت، أنك تسيرين في دربك اليومي، هكذا لن يكون هناك قتلى، وهكذا ستظلين حاضرة في المشهد، ماذا تقولين؟
لم نتعب من البكاء كما تظنين، فما زال خزان الدمع لدينا متجدداً، لكننا سئمنا من الموت، دون أن نعرف لماذا يموت أطفال قبل أن يبلغوا العاشرة، ولماذا تموت بيوتٌ وهي لم تعتد ألوان الدهان على جدرانها بعد، وكيف تموت أمٌّ كانت تدعو لشتلة طماطم أن يحميها الله من الديدان؟ كيف؟
أيتها الحرب، مرحباً…
إن لم ترضي بكل هذا، فالطلب الأخير، أن تتركي لنا مساحة من الوقت كي ندفن موتانا، ونعلق صورهم على ما تبقى من جدران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى