قراءة في كتاب رسائل “وطن على شراع الذّاكرة” للكاتبين: روز اليوسف شعبان، وعمر كتمتو
بقلم: رفيقة عثمان
صدر كتاب “وطن على شراع الذّاكرة” للكاتبين الفلسطينيين: الكاتب الدّكتور عمر كتمتو المواطن الفلسطيني المغترب في أيسلندا،وعمل كسفير فلسطين سابقًأ، بالمشاركة مع الدّكتورة روز اليوسف؛ مديرة لمدرسة في قريتها طرعان الجليليّة. انبثقت فكرة الرّسائل المُتبادلة بينهما، من خلال تعارفهما عبر الزّووم تحت مظلّة “ندوة اليوم السّابع المقدسيّة” .
تبادل الكاتبان رسائلهما عبر صفحات التواصل الاجتماعي، خاصّة (الفيسبوك) و(الواتس أب)؛حيث تضمّنت الرّسائل مضامين مختلفة منها:الاجتماعيّة،والسياسيّة،والتعبيرعن المشاعر الخاصّة،وبث الشّكوى،وعرض تفاصيل خاصّة عن حياة كل واحد منهما مهنيًّا واجتماعيًّا.
من الممكن تصنيف هذا النوع من كتابة الرّسائل المتبادلة بين الكاتبين، بأدب فن الرّسائل النّثريّة؛ والّذي كان رائده “أحمد حسن الزّيّات”وهو واحد من كبار النهضة الثّقافيّة في كل من مصر والعالم العربي، (سليمان ربى،2022 المحتوى العربي). من النت.
حضرت هذه الرّسائل على غرار الرسائل الصّادرة، مثل الرسائل المُتبادلة بين(الأديبة مي زيادة وجبران خليل جبران،وغسّان كنفاني مع غادة السّمّان،وفي العصر الحديث ظهرت رسائل مُتبادلة بين الشّاعرين:محمود درويش مع الشّاعر سميح القاسم) وغيرهم. يبدو بأنّ هذا النّوع من الرّسائل الأدبيّة، ابتدا بالاستخدام في الآونة الأخيرة؛نظرًا لانتشار وإتاحة وسائل التّواصل الإلكتروني.
أهم ما لفت الانتباه في رسائل “وطن على شراع الذّاكرة”،بأنّه برزت عاطفة الحنين والحسرة والشّجن على فقدان الوطن والبيت خلال الغربة،لدى الشّاعر عمر كتمتو، ومقابلها ظهر الأمل في العودة إليه مهما طال الزّمان،وبالمقابل عزّزت الكاتبة شعبان هذا الأمل في روح الكاتب المُغترب كتمتو؛ من خلال زيارة بيته في عكّا، بعد البحث عنه طويلًا، ونقل تفاصيل المكان،وإرسال الرّسائل التوثيقثيّة بالكتابة والصّورة،ممّا أضاف في نبش الذّاكرة والحنين للوطن، ودفع الكاتب المغترب التّعبير عمّا يجول في نفسه من حنين وحسرة الاغتراب.حظي المكان مكانة مرموقة في الوصف، والمشاعر الجيّاشة؛ لفقدانه والاشتياق لاحتضانه مع كل تفاصيله الصّغيرة.
إنّ بحث الكاتبة روزعن بيت الكاتب عمر كتمتو المُغترب في عكّا داخل فلسطين التّاريخيّة، أضفت تشويقًا للرّسائل المُتبادلة،وجعلت القارئ يتتبّع الاحداث حتّى العثور عليه،وإرفاق صورة للبيت القديم المهجور؛ ممّا أضاف استثارة الإحساس بالحنين والشجن لدى الطّرف الآخر.
صاغ الكاتبان رسائلهما بلغة أدبيّة فصيحة سلسة وبليغة، وأبدعا في الوصف للأماكن بلغة شاعريّة، باستخدام الشعر النّثري من تأليفهما في وصف المشاعر الجيّاشة،والحنين المفرط للوطن وحرقة الاغتراب.استخدم الكاتبان المحسنات البديعيّة الجميلة،والّتي أضفت على الرّسائل عنصر التّشويق للقراءة.
أبدع الكاتبان في الوصف الجميل للأماكن المختلفة بطريقة دقيقة،وفي وصف البحر وأمواجه،باستخدام الصور الشعريّة والبيان، والمحسنات البديعيّة.
استخدم الكاتبان “التّناص” وخاصّةً للاشعار المتوافقة مع آراء الكاتبين كما ورد في صفحات:(19-17-14- 57- 61-62 – 75-76- 79- 82-101-102).للشعراء:حافظ إبراهيم والشّاعر راشد حسين والشّاعر أبي تمّام الطّائي،وإدوارد سعيد، والشّاعر محمود درويش، والشّاعر شكيب جهشان، والشّاعر أبو القاسم الشّابي، والشاعر أحمد شوقي.
برأيي أنّ هنالك مبالغة في استخدام التّناص المُستخدَم بالرّسائل وطول الفقرات الشعريّة المُتناصّة، لشعراء آخرين. يظهر التأثّر الشّديد للكاتبة روز بشخصيّة الشّاعر الفلسطيني “محمود درويش” حيث ورد الاستشهاد بأشعاره الوطنيّة، والّتي تهتم بالوطن والاغتراب وحق العودة وما إلى ذلك.
رسائل الكاتبين: روز و عمر على الرّغم من قصر فترة المراسلة وحصرها في شهر واحد تراوح ما بين تاريخي: .13.3.2022ولغاية 10.4.2022-إلّاأنّها نجحت أن تضيفقيمة جماليّة ومعرفيّة متنوّعة، والكشف عن جوانب كثيرة عن الشّخصيّتين وحياتهما الخاصّة؛ لخدمة الأهداف الاجتماعيّة والوطنيّة العامة،بعيدًا عن الخوض في إبرازالذّات والنرجسيّة؛ممّا أضفى قيمة أدبيّة كبيرة، وتشويقًا شديدًا.
ظهر التناغم بين الشّخصيّتين،في الفكر العميق والإحساس، على الرّغم من فوارق السّن بينهما؛ ممّا نجح في خلق إبداع متميّز.
برأيي لو كانت الفترة الزّمنيّة للمراسلة أطول، ما بين الرسالة والأخرى بين المُرسِل والمُستقبِل؛ لإتاحة الفرصة بتكوين الأفكار واختمارها في العقل والقلب لدى الكاتبين؛ ظنًّا مني بأنّ هذا العمل الأدبي سيحظى بقيمة أكبر ممّا هو عليه.
هنيئًا للأديبين المبدعين ، والمزيد من العطاء والإبداع.