دروز فلسطين بين المقاومة والتجنيد
المحامي سعيد نفّاع | الأمين العام للحركة الوطنيّة للتواصل
تقدمة:
صار من نافل القول، القول إن العرب الدروز الفلسطينيّين حالةٌ فلسطينيّة خاصة كثُرت الاجتهادات في حالهم،لدرجة الاجترار؛ أبحاث ودراسات ومقالات ومن طرفي المتراس، العربي والصهيوني، بعضها علميّ والبعض الآخر مُوجّه. ولكن ما دامت هذه الحالة جرحًا من جراح جسدنا الفلسطيني ستبقى، وإن اجتُرّت، تتناوشها الأقلام والأحزاب والحركات من داخلهم ومن خارجهم، بعضها نبشًا في الجرح ليبقى متقيّحا، وبعضها دملًا بأياد معقمّة وبعضها بأياد ملوّثة بالذاتيّة والانتهازيّة والفئويّة والحزبيّة مُستعمِلا هذا البعض دواء جدّتنا “الرماد والبول” وعن سبق إصرار، ليبقى الجرح متقيّحا قلبًا ومدمولًا شكلًا كي يبقى لهذا البعض ما يشغل فيه تطلعاته؛ “الوطنيّة والقوميّة أو الأمميّة”!
العرب الدروز ما قبل النكبة:
كانوا جزءا لم يتجزأ من شعبهم بغثّه وسمينه ودورُهم في حياته الاجتماعيّة والوطنيّة كان كبقيّة شرائحه كذلك بغثّه وسمينه، اللهم إلا أن حصتَهم في مسيرته الوطنيّة المقاوِمة حتى ال-48 مثلما تُبيّن الوثائق التاريخيّة فاقت حجمَهم العددي والكيفيّ كحال كلّ أقليّة وطنيّة؛ عرقيّا أو مذهبيّا. وتكفي الإشارة إلى أنّ العرب الدروز، وبتطابق أدبيّات النكبة عربيّا وصهيونيّا، شكّلوا قرابة %23 (ال-1000 مجاهد) من المجاهدين في جيش الإنقاذ، قسم كبير منهم من الدروز الفلسطينيّين،وهذه نسبة تفوق أضعاف مضاعفة نسبتهم العدديّة من الأمّة العربيّة.
من المقاومين الأوائل:
المصادر الصهيونية تفيد: “أوقعت الهجرة اليهودية إلى البلاد في نهاية القرن التاسع عشر خلافات بين اليهود والدروز على ملكية الأرض، وكانت مدعاة للكثير من المواجهات”. ومن سلسلة القرى والتجمّعات السكانيّة الفلسطينيّة التي شهدت في هذه الفترة صدامات قاسية بين الغزاة المدعومين بالفساد العثماني والانتهازيّ الإقطاعي، وأهل البلاد، قرى؛ مسحة ويمّة وزمّارين واملبّسوالمناحمية وأخواتهن الكثيرات، من هذه القرى الضحيّة كانت قريتان درزيّتان؛ المطلّة الدرزيّة والجاعونة بسكّانها الدروز.
وتقول المصادر الصهيونيّة: ظلّت المستوطنة التي أقامها اليهود في المطلّة مستوطنين بيوت الدروز، هادئة في كل الوقت الذي كان الدروز وزعماؤهم ملاحقين من قبل العثمانيين، وكانوا مضطرين أن يختبئوا. بعد أن أطلقت السلطة سراح الزعماء… “عانت” المطلة “اليهوديّة” سنوات عديدة من هجوم الدروز مدفّعين المستوطنين ثمنا باهظا من الخسائر المادية والدم،وأهمّاالهجوم الذي قُتل فيه جوزيف طرومبلدور ورفاقه السبعة في مستوطنة تل -حاي المجاورة للمطلّة.
لم يمرّ عقدٌ حتّى امتشق عرب دروز السلاح مشكّلين العصب الأساسي لعصابة “الكف الأخضر” التي بدأت تعمل في الشمال.فإنّ العصابة نُظمت في تشرين الأول 1929 بقيادة أحمد طافش (العربي الدرزي من سكان قرية قدس المهجرة)، وبدأت بشنّ الهجمات على الانجليز والمستوطنات اليهوديّة الشماليّة على خطّ من عكا غربّا وحتّى سمخ شرقًا مرورا بصفد،وخلال نشاطها،الذي امتدّ على ثلاث سنوات، تعززت هذه العصابة بعدد من ثوار جبل العرب والذين سرعان ما صاروا العمود الفقري لهذه العصابة الكبيرة.
العرب الدروز ومعارك الثورة الكبرى 1936-1939، عيّنة:
كان العرب الدروز جزءًا فاعلًا فكانتأفادت التقارير العسكرية البريطانية من أواسط 1936 أن عصابة “درزية” قوامها قرابة ال-30 رجلا بدأت تعمل في ضواحي طبريا. وأخرى مختلطة من عسفيا والطيبة وإجزم والطنطورة في ضواحي حيفا. وقد انضم للثوّار عشرات المتطوعين الدروز من سوريا ولبنان. وعندما قٌسمتقوّات الثورة،لأربع سرايا، جُعلت واحدة درزيّة بقيادة المجاهد حمد صعب اللبناني الأصل. عملت هذه السريّة شمالي قرية “بلعة” وقد زودها أهل بلعة بالإمدادات الغذائية، أمّا الذخائر فكانت تصلها عبر الأردن ومن الأسواق المحلية. أشدّمعاركها كانت المعركة يوم 36\9\3، وكانت نتائجها إسقاط طائرتين وإصابة ثالثة، قتل طيار وثلاثة ضباط. وقد استشهد من الفرقة 9 مجاهدين دفنوا لاحقا في قرية عنبتا. تقول المصادر الصهيونية أن هذه المعركة كانت الأهمّ والأنجح من معارك قوات الثورة عام 1936 وعامّة.
أمّا قائد منطقة الجليل الغربي فكان الشيخ سلمان الغضبان مختار قرية البقيعةوعه فصيلًا من قرابة ال-60 رجلًا من قرى المنطقة، غالبية مجاهديه من دروز المنطقة. خاض الفصيل أولى معاركه على طريق نهريا- ترشيحا يوم 36\7\9 قتل فيها ثلاثة بريطانيين وجرح أربعة، أما الفصيل فقد تكبد 29 شهيدا و-8 جرحى جلهم بنيران الطائرات. اعتقل الشيخ سلمان لاحقا وأودع سجن الصرفند، إلا أن فصيله وعلى خلفية اعتقاله شن يوم 36\7\28 هجوما على محطة ترشيحا العسكرية خلال تواجده في السجن.بعد وقف المعارك في الجولة الأولى أطلق سراح الغضبان يوم 36\11\10، وعندما تجددت المعارك سنة 1937 هاجم الغضبان بفصيله القوات البريطانية مرة أخرى على طريق نهريا-ترشيحا وقد استشهد الغضبان في هذه المعركة مع ثلاثة من رجال الفصيل الثوار وهم: محمد غضبان، ويوسف خير من البقيعة، وصالح شومري من كسرى. وجرح اثنان وهم: أسعد بكرية ونايف عامر من البقيعة.
مرحلة ما قبل النكبة وغلبة التوجه الوطني بين الدروز:
يضع بن تسفي (الرئيس الثاني لإسرائيل لاحقًا) أمام نشيطي الحركة الصهيونية توجيهاته للعمل بين الدروز، ففي كتابه من آب 1940 إلى موشي شاريت مدير القسم السياسي في الوكالة اليهودية،يكتب: “علينا أن نساعد التيار الذي يصبو إلى التحرر من سلطة المفتي وممثليه بين دروز أرض إسرائيل، بطريقة احتيال ملائمة، ونقوي الصداقة والشراكة معهم، وأن نساعد الدروز في تسويق محصولهم من التبغ بواسطة المصنعين اليهود على قاعدة (أنا أعطيك مقابل أن تعطيني)، وعلينا أن نكثف الزيارات المتبادلة معهم ونحدد خدمة معلومات”.
ولكن مثل هكذا محاولات كانت تبوء بالفشل فبدأ اليأس يدب في صفوف نشطاء الحركة الصهيونية وعملائهم الفاعلين لتنفيذ خطة ترحيل الدروز واستملاك قراهم، ووصلت الحركة الصهيونية في مرحلة ما إلى خلاصة يئست فيها من تنفيذ خططها مع الدروز رغم عملائها بينهم، فقد كتب القسم العربي في الوكالة اليهودية في تقرير من يوم 47\1\27: “خسارة على وقتنا فتجربتنا مع الدروز مرّة ويجب ألا يهمّونا…”
معركة هوشة والكساير، وشهداؤها، عيّنة:
إحدى أهمّ وأشرس المعارك التي خاضها جيش الإنقاذ باعتراف المصادر الصهيونيّة فيها قُتل الضابط زوريك ديّا أخو موشي ديّان وزير الحرب الإسرائيلي لاحقًا. وقد بلغ عدد الشهداء من العرب الدروز فقط فيها بين 85-100 شهيد.
معركة يانوح28-30\10\1948 عمليّة حيرام، عيّنة أخرى: كانت الحركة الصهيونية كما هو معروف ولمقتضياتها قد شكّلت سريّة من الأقليات عمادها من المتعاونين الدروز وبالذات من بلدة عسفيا، والبدو وبالذات من الهيب، والشركس. كان ضباط هذه السريّات من اليهود.وقد أوكل إليها المشاركة في احتلال القرى الدرزية في الجليل الغربي وبضمنها يانوح، إلا أن انكسارها القاصم أمام مجاهدي قرية يانوح العرب الدروز ورديفهم مجاهدي جيش الإنقاذ، أدى إلى الاستغناء عنها.
يصف التقرير المعركة كالآتي:
بعد أن سقط قائدها اليهودي، وكل من لم يجرح في السريّة ولى هاربا صائحا: “خيانة…خيانة!” وأخذت الصيحة معها كل من تبقى مولّيا الأدبار ولم يتبق في ساحة المعركة إلا ضابطان وعامل اللاسلكي اليهودي ومجندان درزيّان والضابط أرييه طيفر، الذي أمر من معه ب-“لملمة” الجنود الفارّين مستعينا بالمدفعيّة وعاد إلى القاعدة الخلفية في قرية عمقة، وكانت هذه عودة مريرة حاملين معهم جرحى كثيرين مبقين وراءهم في ساحة المعركة 14 قتيلا وبينهم القائد.
فلماذا وكيف افترقت طرقهم بعد ال-48 عن البقيّة الباقية من شعبهم الفلسطيني؟
خلفيّة لا بدّ منها:بعد النكبة 1948 وبقاء 156 ألف فلسطيني في “الدولة اليهوديّة” اعتُبر هذا البقاء خطأ تاريخيا من وجهة نظر مؤسسات الدولة الجديدة، فعملت هذه على ضرب مواطن قوة هذه الأقليّة وأهم هذه المواطنَ ربّما، وحدتَها، وعملت طبقا لقواعد كانت أرستها منذ أن غزت ولّادتُها، الحركة الصهيونيّة، بلادنا.
من هذا الباب جاءت مؤامرة فصل الدروز وعددُهم لا يتعدّى حينها ال-13,500 نفر، عن هذه الأقليّة ونجحت المؤامرة وخلال سنوات قليلة استطاعت الحركة الصهيونيّة فصل الدروز، وأوجُ هذا الفصل كان بإخراجهم من دائرة الإعفاء من الخدمة العسكريّة الإلزاميّة التي كانت ساريّة قانونا على كل العرب، وبدءًا تجنيد شبابهم بقوة القانون ابتداء من العام 1956.
تكشف الوثائق التاريخيّة المُفرج عنها بحكم قوانين التقادم، أن عددَ الشبّان الذين شملهم أمرُ التجنيد حينها كان 472 شابا أمتثل منهم في مكاتب التجنيد 127 شابا أي %27 فقط، ومن بيت جن مثلا طُلب 35 شابا لم يمتثل أحد منهم، وبدأت ضد الرافضين عمليّة صيد ساحرات استمرّت لسنوات. وقامت حركة معارضة شعبيّة من أبرز شخصياتها كان المرحوم الشيخ فرهود قاسم فرهود، إلا أنها فشلت خلال فترة قصيرة بتضافر جهود الرجعيّة الدرزيّة والمؤسسة القمعيّة ضدّها وبغياب سند سياسيّ أو جماهيري عربيّ. وقد مرّت المسيرة بعد هذا بمحطّات أساسيّة ثلاث.
المحطّة الأولى:
في السنوات 1954-1956 سنوات فرض الفصل، حين انطلقت أكبر حملة شعبيّة ضد فصل الدروز عن أبناء شعبهم بوجهه القبيح فرض التجنيد الإجباري على الشباب العرب الدروز، وكان أبرز الفاعلين في هذه المحطّة كما قيل المرحوم الشيخ فرهود قاسم فرهود مدعوما على الأقل معنويا من المرحوم الشيخ أمين طريف الرئيس الروحي الذي كان من أشد المعارضين لدرجة التهديد بفرض الحرمان على المتجنّدين ورفضه في بعض الحالات عقد قرانهم والأمثلة كثيرة.
المحطّة الثانية:
في الأعوام 1969-1972، حتى هذه السنوات صادرت السلطات قرابة الثلثين من أجود أراضي العرب الدروز موطن قوتهم الاقتصادي أسوة ببقيّة أبناء شعبهم وبقيت كذلك قراهم متخلّفة وفقيرة، وذلك رغم سياسة الفصل وشكلها الأبرز التجنيد الإجباري التي حقّقت نجاحا نسبيّا عاليا، وشهدت الفترة التي سبقت تدخلا سافرا في شؤون مذهبيّة كإلغاء عيد الفطر وتشكيل محاكم مذهبيّة مستقلة كتعزيز للفصل.
أوائل ال-1972 عاد وتفاعل مع الركب الشيخ فرهود قاسم فرهود ببيان عام دعا فيه إلى تنظيم الصفوف وانطلقت على أثر ذلك “لجنة المبادرة الدرزيّة” برئاسته وانتخاب المرحوم عاصم الخطيب سكرتيرا لها وعينيّا يوم 10.03.1972، حين بلغ عدد الشباب المسجونين رفضا للخدمة في شهر شباط من هذه السنة ال-73 شابا وهذا رقم ضخم بكلّ المعايير، بينهم كاتب هذه السطور ونجل الشيخ فرهود فرهود، جمال.
المحطّة الثالثة:
جاءت وقد تشّكل جنينُها في العقد الأخير من الألفيّة السابقة، إذ كانت جاءت هبّة القدس والأقصى في أيلول 2000 والتي راح ضحيتها 13 شهيدا من أبناء شعبنا بعضهم رُمي برصاص مجندين دروز كما بيّنت التحقيقات، لتظهر مدى الغربة العميقة بين الغالبيّة من الدروز وأبناء شعبهم ولتضعنا أمام حقيقة مرّة أمرّ من الصبر كان علينا أن نقف مع أنفسنا نحن الوطنيون الدروز لنسأل: أين فشلنا؟
كردّ أوّلَ على السؤال، “أين فشلنا؟”، أطلق الكاتب حركة: “ميثاق المعروفيّين الأحرار” من الوطنيين القوميين. وبدأ الميثاق العمل بتكتيك واستراتيجيّة مختلفين في صلبهما الحفاظ على وترسيخ الانتماء الوطني القومي عبر محاربة معوقاته المؤسساتيّة كالتجنيد والتجهيل، وعبر التواصل داخليا وطنيا وعربيّا قوميّا؛ سوريّا ولبنانيّا من خلال “الحركة الوطنيّة للتواصل” التي أسّسها الميثاق.
أتى هذا النشاط أكله فشهد العقد الأول من الألفيّة الثالثة تطوّرا وطنيّا هامّا عكسته دراسات محكّمة. الأولى كانت الدراسة التي طرحت في “مؤتمر هرتسليا للشؤون الاستراتيجيّة” في دورته التاسعة شباط 2008 حول “معيار الشعور بالوطنيّة الإسرائيليّة لدى شرائح المواطنين المختلفة”. جاءت النتائج بين العرب الدروز مفاجئة للمؤسسة وللدروز أنفسهم، إذ أفادت أن معيار الشعور بالوطنيّة الإسرائيليّة لدى الدروز تدنى في العقد الأخير من 4 نقاط من أصل 6 نقاط في بداية العقد إلى 1.6 نقطة من أصل 6 نقاط في فترة الدراسة، وأن نسبة “المتهربين” في لغة الدراسة، من الخدمة الإجباريّة تعدت لأول مرّة بين الشباب الدروز ال-%50، وخلصت الدراسة إلى استنتاج مفاده: “إننا أمام خطر خسارة هذه المجموعة وعلينا العمل على تلافي هذا الخطر”.ولحقتها أخرى صادرة عن قسم العلوم السياسيّة في جامعة حيفا، وممّا جاء فيها أن 63.7% من الدروز يرفضون ولا يؤيدون الخدمة الإجباريّة ونسبة متقاربة تفيد أنهم يعتبرون أنّ المركّبَ العربي مركّبٌ أساسي في هويتهم، وبقيّة نتائجها جاءت “مُسرّة للصديق مُغيضة للعدوّ!”.
هذه المحطّة الثالثة في المسيرة الوطنيّة العربيّة الدرزيّة وعطفا على ادعائنا أن ميزان القمع السلطوي يتناسب طرديّا مع نجاح اختراق القوى الوطنيّة مجموعة الهدف العرب الدروز في سياقنا، هذه المجموعة التي أرادتها السلطة “ملكا خاصّا” و”بقرة مقدسّة” و”قطيع مدجّن” (اصطلاحات واجه بها كاتب هذه السطور المحققين والمستشار القضائي ولجنة الكنيست في مراحل التحقيق معه واتهامه الجنائي على خلفيّة التواصل مع سوريّة)، هذا الاختراق يفسّر الملاحقة للميثاق والتواصل وقيادتهما وقرار تقديم الكاتب للمحاكمة على مشروع التواصل والقرار الأولي بتقديم 7 شيوخ من أصل 8 من رئاسة وفد التواصل أيلول 2007 إلى سوريّة، أيضا للمحاكمة. والتي انتهت بالحكم على الكاتب بالسجن الفعلي سنة ونصف والمشروط نصف سنة لثلاث سنوات وتجريده من رخصة مزاولة مهنته، المحاماة، لثلاث سنين ونيّف.
دور القوى الوطنيّة العربيّة في المسيرة:
هذا العنوان يقودنا مباشرة إلى دور القوى الوطنيّة العربيّة العامّة في المسيرة الوطنيّة العربيّة الدرزيّة. الوطنيّون العرب الدروز جزء من الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة في الداخل وما بعض خصوصيتهم إلا بسبب السياسة الخاصة للسلطة تجاه العرب الدروز ووجهِها القبيح التجنيد العسكري الإجباري.لا يوجد شعور وإحساس أصعب من أن يحس ويشعر الوطنيّ العربيّ الدرزيّ في بيته الوطنيّ الذي دفع الغالي والرخيص في إعلاء بنيانه أنه أقل من غيره وفقط بسبب انتمائه “الولاديّ” المذهبيّ وحتى لو كان هو على المستوى الشخصيّ علمانيّا حتّى النخاع.
الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة المحليّة بأحزابها وحركاتها ومنظماتها وانطلاقا من كون الأطر الفكريّة الوطنيّة العربيّة الدرزيّة جزءا منها، وكما قلنا ما خصوصيتها إلا بسبب خصوصية قضيّة الفصل المؤسساتيّة بأوجهها المختلفة، فالمطلوب منها دعم هذه الأطر ودون التدخل السافر في عملها وكم بالحريّ في دقّ الأسافين فيما بينها أو مناكفتها بتبنيّ منشقين عنها ومتسلقين على العمل الوطني ودون خلفيّة فكريّة، طمعا في كسب انتخابيّ برلمانيّ أو كسب نقاط “وطنيّة” لا تشبع من جوع ولا تروي من ظمأ.
خلاصة:المؤسسة الإسرائيليّة عدونا جميعا كأقليّة قوميّة لا تنوي لنا الخير هذا مفروغ منه ماضيا وحاضرا ومستقبلا. لكن هل نحن كأبناء للحركة الوطنيّة نريد الخير لمركباتها ومنها الحركة الوطنيّة العربيّة الدرزية، وأولا بالتعامل مع قياداتها كجزء من القيادات العربيّة لأنها كذلك، وحسب كفاءاتها وليس حسب شكل ومكان ولادتها غير الإراديّ وكم من الأصوات يمنح مكان ولادتها الأحزاب؟!
وهل القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة الفكريّة نفسها أهل لمثل هذه القيادة إذا استمرّت بمناكفة بعضها وعند البعض انطلاقا من وتبعا لقانون القصور الذاتي الفيزيائي ومَثَلُه العَجل الذي ينطلق “داحلا” بقوة دفع ثم يصير مدفوعا بقوة الاستمرار متهاويا ضاجّا ليس إلا، وفي سياقنا بالبيانات والخطابات الرنانة وفي الميادين البعيدة؟!
الساحة العربيّة الدرزيّة تشهد في العقد الأخير نُضجا كالمدّ ناصيته أمواج تنطلق في الاتجاه الصحيح ألا وهو شاطئ الأمان عودةً إلى الأصول والجذور، متنا وعشنا حتى رأينا هذه الأمواج وقد ارتفعت. والقوى الوطنيّة عامة ومنها العربيّة الدرزيّة خاصّة على اختلافاتها الفكريّة، أمام سباق كسباق راكبي الأمواج إمّا أن تركب الأمواج وفي الوقت المناسب ومتحررة من العوالق من المتسلقين والمنشقين وتنطلق نحو برّ الأمان أو أن تركبَها الأمواجُ إن أثقلت حملها عوالقُ متسلقة منشقّة فترميها في القعر جيفاً لكائناته: السلطة ومؤسساتها وأزلامها.
• كلّ المعلومات الواردة في هذا المقال هي عن أدبيّات محكّمة.