حكايا من القرايا ” قطاف الزيتون – توصيف “

عمر عبد الرحمن نمر| فلسطين

مهرجان صباحي رائع في طرقات البلدة وأزقتها، الحج مفلح العلي يسحب حماره، وقد حمّله مفارش بلاستيكية، وجدّادات (عصيّ طويلة) ومطاريق (عصيّ قصيرة) وسامي الشريف ينادي أبو العبد: يا الله يا زلمي، من سرى باع واشترى… وين صارت الدنيا؟ والحجة ميسّر – الله ييسر لها- تحمل على رأسها لجناً مليئاً بأشكال غذائية، وفي يدها جلن ماء… وطابور أمام قلّى الفلافل أبو منذر، كل ينتظر دوره للتزود بالحمص والفلافل… ودكان أبو ريان يحفل بالزبائن، وطلب هائل على الخضار، والسردين والكولا والبسكوت المدوّر، وراحة الحلقوم.

كأن النار والحطب وقلاية البندورة من مستلزمات قطف الزيتون لكن يا خسارة، ثمن كيلو البندورة سبعة شواكل فلتحول قلاية البندورة إلى قلايات أخرى والشاي باقٍ، ينتظر الشاربين ما ألذه في فيء الأشجار، وبعد تعب!

وينتقل المهرجان إلى الحقول، هذا يطلب جدّادة، وذاك يطلب مفرشاً، وقاطف يريد ماءً و أبو سائد يظرب مواويله، ويرفع عقيرته بالميجانا.

في حقول الزيتون، وفي موسم القطاف، تسمع الأغاني، والحكايات، والألغاز، والنكات وتسمع صخب الضحكات تتسلل من حقل إلى آخر.

تحت الأشجار يعدّون القلايات، والشاي. يجلسون، يتناولون فطورهم، ويحتسون شايهم، ثم ينطلقون إلى أشجارهم وينتظرون الغداء… في المواسم الماضية، كان بائعو العنب، والجوافة يحملونها على حميرهم، ويتجولون بها بين الحقول، ينادون على الناس للشراء، ويدللون على حلاوة بضاعتهم حتى بائع الهريسة، وبائع الأسكمو (البوظة) كانا يتجولان بين الحقول.

يشتري الناس أغراضهم، ولا يدفعون الثمن نقوداً، هم أصلاً لا يحملون نقوداً في جيوبهم… إنما يكون البيع مقايضة، يشترون كيلو جوافا مثلاً مقابل كيلو زيتون، ويقولون “راس براس” أي كيلو من هذا مقابل كيلو من ذاك وقد يكون الشيء راس براس ونصف، أو راسين.

أما الزبيب والقطين فكان يباع بالرطل البرّاوي، والرطل البرّاوي يساوي رطلاً ونصف الرطل الرسمي (الرطل البرّاوي 18 أوقية). ياه! إنها أشياء حلوة يأكلها القاطفون بعد الغداء، وربما أثناء العمل، يتبّلغون بها إلى وقت الغداء.

طعام الغداء، إما أن تعدّه النساء في البيت، أو أن يطبخ على النار في الحقول. وغالباً ما يكون الأرز سيد الوجبة ولحم الدجاج عنواناً. يأكلون بشهية، بسبب التعب، والسبب الآخر الأكل في الحقول يفتح الشهية.

وبعد أن ينظف حبّ الزيتون من الأوراق والقُصُف، ويُذرّى. يعبأ في شوالات. ويؤتى بأغصان طرية؛ يخللون بها الشوالات. ويتم إغلاقها. بعد ذلك تأتي بطولة الحمير والدواب بأشكالها لنقل الحب من الحقل إلى البيت أو العصارة.

وما أن ينتهوا من قطاف منطقة، حتى يكثر فيها البعّارون، يجمعون الثمار الشاردة، والتي اختفت هنا وهناك. ويترزّقون. 

وسنة الزيتون إما ماسيّة (الزيتون حامل)، أو شلتونة (حمل خفيف) وفي الشلتونة رزق للبعّار أكثر… والله يطرح البركة للجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى