فكر

دور القيم الثقافية والاجتماعية والأخلاقية في بناء المجتمع

دعوة لنظام تعليمي متكامل يركز على حاجات الطفل مع التقويم والرعاية المستمرين

بقلم : عفاف عمورة ـ برلين

لا يمكن لأي مجتمع أن ينبني دون قيم اجتماعية وأخلاقية سامية. لأنها الركيزة الأساسية لذلك البناء والتي تقام عليها الأمم والشعوب. وذلك لارتباط القيم بالأخلاق والمبادئ السامية، وهي معايير ضابطة للسلوك الإنساني الصحيح ،والقيم الاجتماعية بما تتضمن من خصائص وصفات مقبولة ومحببة لدى أفراد المجتمع تحدِّدها ثقافة القوة والمحبة والتسامح .ولأنها متنوعة لا نقبل بغيابها عن الحياة العامة، باحثين عن طرائق وأساليب لتعزيزها وتثبيت بنائها. من خلال القيم التي تدور في فلك الإطار التربوي للمجتمع، ومدى الوعي النوعي الذي وصل إليه البشر في تعاملهم مع بعضهم البعض، فالصدق كقيمة معيارية في التعامل اليومي في المجتمع والتي تبدأ من الأسرة والمدرسة والمجتمع بكل تكويناته. مرتبط بالمحبة والإيثار، والإيثار من القيم المجتمعية المتقدمة في السلوك الإنساني ويعبِّر تمام التعبير عن تخلي الشخص أو المجتمع عما يحبه ويقدمه لغيره أكثر حاجة له منه. ومن القيم المجتمعية السامية وهي ضوابط هامة للسلوك الإنساني في المجتمع قضية السخاء والكرم والحياء، إضافةً للتضحية والبذل والتعاضد والتعاون. ويعتبر التعاون من أهم مقومات وأسس التواصل الإنساني.ولا يستطيع الفرد أو المجتمع الاستغناء عنه، فقيمة التكافل الاجتماعي هي قيمة عليا تساهم في بناء المجتمع بشكلٍ متوازن ويكمل أبناء المجتمع بعضهم بعضاً في معظم جوانب الحياة. مما يساهم مساهمةً كبيرة في رفع المعاناة عن الفقراء والمعوزين ويقلِّص من منابع الحاجة والعوز والفقر في المجتمع .
إنَّ القيم الاجتماعية لها قيمة عليا وتعدّ من أهم القيم الاجتماعية المرتبطة بالأخلاق والتي لها الدور الكبير في تماسك المجتمعات وقوتها. وهي أيضاً من أهم الروابط التي تجعل أفراد المجتمع متماسكين. ففيها تنتشر المحبة بين الناس، وتعمّ الأخوّة بينهم التي تفسح مزيداً من العطاء الإنساني. التي تساهم بدورها في ضمانة استقرار المجتمعات ونموها وازدهارها. فالأمم التي تفقد القيم والأخلاق لا تلبث أن تنهار وتفقد عناصر وجودها الإنساني، لذا لا يمكن فصل القيم الاجتماعية والسامية عن الأخلاق. فكلاهما يشتركان في ضبط إيقاع السلوك الإنساني في وجهته الخاصّة والعامة.
لقد شغلت فكرة القيم الإنسانية المفكرون والفلاسفة وعلماء النفس وكبار المثقفين في العالم فقد عرَّف علماء النفس القيم المجتمعية الإنسانية بأنها مجموعة واسعة من الانفعالات وردود الفعل المرتبطة بالعقل الصادرة عنه تجاه موقف محدّد ناتج عما يختزنه الشخص في وجدانه وعقله وشعوره من تأ ثر بالمجتمع والدين والعادات والتقاليد والفطرة الإنسانية تجاه ذلك الحدث أو ذاك الموقف. فيعيش الإنسان ضمن قيم معينة يسعى إلى الوصول إليها ويطبقها. كما تعتبر القيم الإنسانية نوعاً من أنواع الغايات أو المحدِّدات ويعتبر الوصول إليها نوعاً من أنواع الفوز والنجاح والعطاء، وعلامة واضحة على حسن سير العمل في معظم مراحل حياته السابقة.
القيم الإنسانية والمجتمعية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنفسية الإنسان ومشاعره وأحاسيسه ، حيث تشمل الميول والرغبات والعواطف التي تختلف من شخصٍ لآخر، ومن حضارة إنسانية لأُخرى، والقيم متبدّلة ومُتغيّرة وليست ثابتة، وذلك نتيجة تفاعل الإنسان مع بيئته التي يعيش فيها وتغيرات الوسط الاجتماعي المحيط به، وهي مُكتسبة وغير وراثيّة كما يعتقد البعض، ويتفاوت منسوب أولويتها وتفوّقها على بعضها البعض. وتعدُّدها نتيجة اختلاف وتنوّع الحاجات الإنسانيّة بين اجتماعية ونفسيّةٍ واقتصاديّةٍ وسياسيّةٍ. وهي ذات منطق جَدَليّ، قابلة للنقاش على أسس عقلانية وعلمية فتحتمل والخير والشرّ، الحقّ والباطل، وهي صعبة القياس بسبب تشابك وتعقيد الظّواهر الإنسانيّة المتنوعة المرتبطة بها. وهي ذاتيّة وليست عامة حيث تظهر في مشاعر الإنسان وشعوره وإحساسه إمّا بالميل تجاهها وإما بالنّفور منها ورفضها. وهي نسبيّة وليست ثابتة فهي تختلف من إنسانٍ لآخر حسب الزّمان والمكان والحالة العامة .
في ثقافتنا العربية الغنية قيماً أخلاقية سامية أخذت مساحة واسعة من حياتنا. والأخلاق من أهم القيم الإنسانية مما حدى بالشاعر العربي أحمد شوقي القول:

والصدق أرفع ما اهتز الرجال له

وخير ما عوّدَ أبناً في الحياة أب
إنـَّما الأمـم الأخــلاق ما بقيت

وإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

في هذا السياق لا يمكننا إغفال أسباب تراجع القيم السامية في المجتمع والتي وجدنا معظمها في ضعف الوازع الديني عند الأشخاص. والتأثر بمنتجات تكنولوجيا التواصل والاتصال. حيث نتألم عندما نتابع هذا الضخ الهائل للعديد من القيم السلبية التي تساهم في تدمير عقل ونفسية الناس. مدركين في الوقت نفسه ما لشبكات التواصل الحديثة من إيجابيات. فقد كانت المنصات الإعلامية في الماضي تخضع لرقابة حكومية أو متابعة رقابية اجتماعية وثقافية ودينية تعمل على منع الدنيئ والمبتذل .لكن الإعلام الذي تعدّدت منابره ومنصاته المختلفة المسموعة ،والمقروءة، والمرئيّة. وغلبة المصالح الفرديّة على المصالح العامّة للمجتمع. وانعدام الوعي الكافي بجدوى وأهمية وقيمة القيم الأخلاقية السامية في الحياة عند البعض.دفع الكثيرين منهم لاتّباع الشهوات والهوى. الصحبة السيئة المشبوهة، وبها يتأثر الصديق والقريب بسجايا صديقه وقريبه وطباعه السلبية السيِّئة. من هنا يقع على عاتقنا أن نجد السبل الناجعة لبناء وتعزيز القيم الاجتماعيّة السامية والتنشئة الأسريّة السويّة المبنية على أسس أخلاقية وقيمية، حيث تغرس الأخلاق والقيم في الأبناء من طفولتهم الأولى، ويمثل الأبوان الأسوة الحسنة للأطفال، فإذا صلح الأبوان صلح الطفل، وإذا فسدا فسد الطفل أيضاً بشكلٍ تلقائي.
في هذا المقام نطالب بأن يكون النظام التعليمي متكاملاً ويركز باهتمام على حاجات الطفل النفسية والعقلية والجسدية على حد سواء، ويعمد إلى توجيه الطلاب وتقويم سلوكهم ورعايتهم باستمرار
إنّ للقيم الأخلاقية الإنسانية السامية أهمية في بناء شخصيّة قويّة ومُتماسكة، ناضجة، وصاحبة مبدأ، وفي حماية المواطن من الوقوع في الأخطاء، لأنها تُشكّل حصناً منيعاً ودرعاً واقية، وهي إحساس الفرد وشعوره بالطمأنينة والاستقرار والسّلام الداخليّ، والتّوازن في حياته الاجتماعيّة، وإحساس الإنسان بالمسؤوليّة الكبيرة، كما تساعد بشكلٍ كبيرعلى كسب ثقة النّاس المحيطين ومحبتهم وتواددهم وتراحمهم، وإكساب الشخص القدرة على التعامل مع الواقع والتّأقلم مع الظّروف والمستجدات برضا وقناعة كبيرين، وتشكيل نمط راقي عام للمجتمع وتطوره وتغيره، وقانون ناظم يُراقب تحركاته وسلوكه باستمرار .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى