الفنان دريد لحام والإعلامية وفاء كمال وجها لوجه (4)

كان الحوار طويلاُ، والضيوف الذين يرتادون مكتب الفنان دريد كثر، لذا طلبت منه أن نؤجل الجزء الثاني من الحوار قليلاً، ليتمكن من استقبال ضيوفه. ولكنَّ الحقيقة أنني أردتُ أن أمنح نفسي فرصة لأتمكن من إشباع فضولي بمراقبة حياة الفنانين ورؤيتهم على مسرح الحياة بطبيعتهم وكلماتهم غير المكتوبة سلفاً، ونبرة أصواتهم وانفعالاتهم الحقيقية. كنتُ سعيدة عندما توقفنا عن الحوار لتجاذب أطراف الحديث مع الفنانة اللبنانية مادلين طبر . وما أن غادرت مادلين وعدنا من جديد للحوار، إذا بملكة جمال لبنان ” هيام سعادة ” تدخل برفقة مصمم أزياء شهير لم أعد أذكر اسمه، كان يرتدي بزة رسمية وقد شد شعره الطويل والمنفوش إلى الخلف، وربطه بمطاطة ملونة على غرار النساء . أما ” هيام سعادة ” فكانت تبدو رشيقة جداً. لكنها مفرطة باستخدام المكياج حتى بدت كالدمية. لم ألحظ أي انفعال أو ثنية على وجهها وكأنها قد طَلَتْه بمعدن ثقيل، فلم يعد هنالك وجود لأي مسام في بشرتها، ورسمت عينيها بدقة متناهية، مما ذكرني بالكحل الذي رسمتُ به عينيَ، فرفعت يدي ودعكتُ عيني فانطلى إصبعي بالسواد حيث شكلت الملوثات في الجو مع الكحل خليطاً رمادياً. كانت هيام تطلي شفتيها بأحمر شفاه مختلف عمّا شاع استخدامه لدى النساء. وقد ارتدت ثوباً نمرياَ مرقطاً. وبوتاً يغطي القدم ومعظم الساق مصنوعاً من نفس نوع قماش الثوب ولونه ونقشته. رغم عدم برودة الجو. وقد شغلني ذلك عن الحوار. فكنتُ أطرح سؤالي على الفنان دريد، وأترك المسجل لتسجيل جوابه. بينما ساحة ناظريَّ متوجهة نحو ساق هيام، لأعرف سبب انتعالها لذلك البوت في فصل الربيع. وبدأت أنَقِّل عينيَّ بين ساقيها علني أعرف كيف أدخلته بهما،إذ لاتوجد أية فتحة من أي موضع، وكان كعبه طويلاً ودقيقاً كالدبوس. التفتُّ فوجدت الفنان دريد يراقبني وقد رست ابتسامة على طرف شفتيه لم يستطع إخفاءها، وكأنه يفكر بما أفكر به. لكنه لم يحتفِ بملكة الجمال. ولم يهتم كثيراً لوجودها ..تبرعت بنفسها لإعداد القهوة. متوجهة نحو المطبخ. كنتُ على ثقة أنها لن تخرج سليمة بهذا الكعب . فتجربتي مع ماهو أعرض منه كانت كفيلة بأن توحي لي بذلك. فماهي إلا ثوان حتى بدأتْ أصوات تداعي الكؤووس وأواني المطبخ.. فضَحِكْتُ بصوت عالٍ. وبادلني دريد الضحكة وتمتم ببضع كلمات غير مسموعة. لكنني فهمتها. وعدتُّ إلى حوارنا بانتظار قهوة ملكة الجمال.

قلتُ: لقد انتزعتَ التصفيق من الجمهور ..ولكن هذا الجمهور هو ظاهرة غير ثابتة فدخلت هيام تحمل القهوة قدمت لنا القهوة شكرتها وأعدت سؤالي الجمهور ظاهرة غير ثابتة كأزياء السيدات لايمكن التكهن بأذواقهن. فهل تعتبر التصفيق مقياس لنجاح الفنان؟
_ ج : تقصدين التصفيق كضجيج أم استعملت الكلمة لمآرب أخرى ( ونظر باتجاه هيام ).

***
ابتسمتً وأجبته أقصد بالتصفيق التجاوب الذي يبديه الجمهور معك فهل يمكن اعتبار العمل عظيماً إذا أحدث تجاوباً عظيماً .
_ ج ؛ التجاوب نوعان: داخلي وخارجي وأنا مع التجاوب الداخلي. في كل عمل هناك مشاهد. فإذا انقلب المشاهد إلى متفرج. أصبح العمل سيركاً وحين ينقلب من متفرج إلى متفاعل أعتبر العمل عظيماً .

***
_ س : هل حدث أن تنازلت عن قيمة العمل الفني لترضي جميع الأذواق ؟
_ ج : الإحساس كالحب لاتوجد فيه طبقات .كذلك الموت والوطن . طالما أنا أعبِر عمَّا أحس به، فلابد أن يحس به الجميع. أنا والماغوط لانحب استعمال الرموز التي يستعملها بعض المثقفين. ولسنا مهووسَيْن باستعمالها. أنا شخصياً أشعر بالتعاسة إذا لم يفهمني الناس. لأن ذلك يعني أن العمل لم يصل لهم .
فالعمل الفني ليس لوحة نعلقها على الجدار في المنزل. بل يجب أن يراه الناس ويتمتعوا به ويفهموه. أحياناً نضطر لاستعمال بعض الرموز تجنباً لمضايقات الرقابة. لكن يظل المتفرج قادراً على فك رموزها.

***
_ س :في مجمل أحاديثك تتحدث عن الماغوط وقد شاركته في بعض الأحيان في الكتابة.هل تعتبر تلك المشاركة ضرورة أم عملية مكملة ؟
_ ج : مشاركتي ليست ضرورة، وإنما عملية مكملة. فالأستاذ الماغوط شاعر كبير. ومؤلف متمكن. ويمكن أن أساعده في تفاصيل العمل الفني .
يتبع …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى