نزهة في رياض شعر ( آل مخيف )

عبد الباري المالكي | شاعر وناقد من العراق

لاعجب ان تكون الطبيعة هي محرابه الخالد الذي ترددت بين جوانبه صلوات عشقه العفيف، وشاركته معشوقته في توزيع افكاره الغزلية التي امتلكت صفة الشمول والتنوع والحرارة والنشاط ، حتى يُخيَّل للقارئ في قصائده ، (لاسيما قصيدته امراة من بلادي ) ان الكلمات قد انبعثت من صدرٍ رسم امراته التي توضات بعفتها ، وصلّت بكل توجهها في ثرى ملحها ، حتى بات رسول الشوق في قصيدته (اصداء) وهو يلوّن روضه قبل ان يقفر ، وزهرَه قبل ان يذبل باحساس هو ذات الاحساس لرجل شرب الخمر فثمل ، فما ان تخلص من نشوة السكر حتى رآى ذلك البعد في زحام الشوق ، حينها تيقن ان لاعيش له بلا عاشقة وان عاش عمراً وطابت له الحياة ، فهو لايعدّ سنواته ان لم يكن بها عاشقاً .

وهو ذاك الذي يعلم جيدا ان عشقه ابدي لاينتهي بلون واحد او بريق سريع لمعشوقته التي صورها بمشهد مرئي طار به الخيال متيماً ، ووجد نفسه قريبة من شفاه صمته ، حتى صار لايقبل لها عذراً ولايرتجي منها دواء …

رضاكَ مرارةٌ وجفاكَ قــــــهرُ

 وقربكَ من شفاهِ الصمتِ هجرُ

وبُعدكَ في زحامِ الشوقِ شكٌ

 وعُذركَ حــــــسرةٌ ودواكَ مرُ

وتلك هي الحقيقة النفيسة التي يدور حول محورها شاعرنا ويقف عندها ليصبح كمن يرفع المصباح بكلتا يديه ليصل الضوء الى كل العاشقين من بعيد .

فالعشق عند شاعرنا هو الوجود الذي سواه عدم ، وهوشعلة الأمل التي تنطفئ بغيره ..اذ يكون كل شيء ، ويكون لاشيء بنفس الوقت …..وتلك هي المعادلة الصعبة .

وهو بذلك يلخّص قصة حياته وعمره بكل تلخيص امين وصادق لا كذب فيه ، فهو عربي الطباع ، خجول جداً من انثاه ، يتحسس ويغار عليها من نسمة هواء طيبة ..وهو ذلك العاشق الذي ظفر بمعشوقته من ألوان ريشته بأوفى نصيب … فيقول مردداً  :-

فضميريَ وجهُ للعشق

وكتابي نخلٌ لو يُغرسْ

تلك هي الصور الشعرية التي أباحها شاعرنا لنفسه حتى أصبحت لا تفارقه ليل نهار , صور هي أجمل من عاج محاط بزجاج , أو موسيقى تنبعث من معزف في هيام ساعات الشوق والغرام .

انها غاية السعادة والمتعة والسرور لدى شاعرنا المغرم بكل جميل .

ففي قصيدة ( إبن العراق ) تبدأ الحكاية من روح جذلى , هي نقية كنقاء الفجر حين يبزغ على جميع أجناس الخليقة ويبث عليهم الأمل والحب , لأنه مصدر العطاء والخير المحض , فلا تشاؤم في خيوطه التي تتدلى على جبين فلّاح يقلّب أرضه , ولا كراهية عند نسيمه الذي يلاعب جديلة امرأة حسناء تهدهد طفلاً , إنها معادلة وضعت منذ الازل لم يكن ليفكّ رموزها الا أصحاب القلوب الحالمة ونايات هدير الجداول , والشغوفة بأنغام خرير السواقي وهي تسقي خلّانها كرماً وعفّة .

ولي روحٌ كوجهِ الصبحِ جذلى

 وكفٌ لم تقلْ للخيرِ كلا

وقلبٌ هامشُ الناياتِ فيهِ

شغوفٌ حالمٌ قولاً وفعلا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى