سرنمة الحياة

د. محمد السيد السِّكي استشاري تحاليل طبية وكاتب وروائي مصري

ربما يشكو البعض من إحدى اضطرابات النوم والخطل النومي والمسماة سرنمة والتي تعني المشي والسير أثناء النوم وفعل أشياء لا يشعر النائم بها والتي ربما تصل إلى حد الجريمة.
ومثلما يعاني البعض من اضطرابات النوم فإننا جميعاً نعاني من خطل المنطق الزمني وسرنمة الحياة.

قد يبدو المصطلح غامضا لكنه يحمل معان عميقة تكشف مدى معاناتنا في فهم تضاريس ومعالم الحياة.. فكل من يطير بجناحي وهمه مبتعداً عن معالم الحياة هو مصاب باضطراب إدراكي يشقى بصلفه وعجرفته فيها.. ومن إذن الناجي من الأوهام والكل منغمس ساقه ووجهه فيها؛ فالكل أسير سرنمة الحياة.
ومن معالم الحياة التي تتقاطر دموعها وتزأر نيرانها أنها دار اختبار ومن المهم استمرار تدفق نهرها حتى يأذن الله. لا تنظر لغيرك حقداً عليه وتتمنى أن تقوم بدوره في الحياة لأنك لم تحدد دورك ولم تعرف إمكانياتك وما الذي أخذته وما الذي حرمت منه.
سعيك وحركتك ليست لإدراك ما قدر لك من رزق وإنما كي تكون ترساً في منظومة يضمن غيرك أرزاقهم فيها بحركتك وحركة غيرك وبحركتهم تدرك ما قسم لك من رزقك.
التباين المحدود في الشفرة الوراثية بين البشر وفي معدلات الذكاء يدل على أنك قابل للجري في مضمار أقل ما ستحقق فيه لن يكون بعيداً عن من يفوقك ذكاءً وإمكانيات جينية.
صفات الله غير خاضعة للزمان فهي ليست مستقلة ومطلقة بمنطق الزمن ولكنها متداخلة ومتوازنة بلا طغيان أو تعطيل فترى الرحيم والعدل كليهما ولو كانت متزامنة لكان من المستحيل الجمع بينهما.
ومن محاسن “إيمانويل كانط” بفلسفته النقدية أنه غرد مبتعداً عن خطل المنطق الزمني الهلامي عندما أدرك أنه من المستحيل تقبل عدم وجود نهاية للكون وذلك عندما يسأل المرء نفسه: ماذا يوجد بعد هذا الكون؟

فيقع في شرك خدعة الزمان ويكون ضحية لمعضلة المالانهاية..
إن منطقك إذا تناول الأمور اعتماداً على مفهوم المكان والزمان فإنه منطق بيته من زجاج وما أهونه من بيت.
ومن سرنمة الحياة أنك تجد العباقرة والفلسفة الكبار يقعون ضحية لخطل منطقهم فلا يدركون وجود الله. فجون ستيوارت ميل ذلك العبقري الذي كان يتحدث بأكثر من لغة وهو ابن ست سنوات يقع ضحية الإلحاد والمنطق الزمني الهلامي؛ فعندما اعتقد أن كل شئ له سبب فقال: فلابد أن يكون للاله أيضاً مسبب.
وغفل جون ستيوارت ميل على أن الله لا يخضع للزمان، وإن الزمان من خلقه وبدأت شرارة وجوده بعد الانفجار العظيم ولم يعِ أن فكرة التسلسل ومفهوم ما قبل وبعد ماهي إلا تجليات وتبعات لمفهوم الزمان المزروع في ذهنك وهو ليس له وجود.. فكما أن ملايين الجسيمات من حولك تنشأ وتفنى بمقدار زمن بلانك ولا تراها فإن عقلك وعين قلبك تقع دائماً فريسة لمفهوم الزمكان.
ولم يسلم أيضا العبقري المصري راهب الكتاب الأستاذ محمود عباس العقاد من سرنمة الحياة حينما يعتقد بأن الله لم يدرك كماله في الأزل وإنما سيدركه في الأبد حينما تنتهي تجربة الحياة وينتهي خلقه وتنتهي صفحات رواية كل منهم.. وهكذا غفل العقاد ووقع في فخ الزمكان ولم يعِ أن الله ذا الجلال والإكرام متعال عن الحاجة لخلقه، وخلقه للمخلوقات لم يكن بغية إدراكهم لكماله؛ بل إن الله كامل ولكنه خلق الخلق لكي يدرك خلقه أنوار كماله.
وهكذا سنستمر في سرنمة الحياة وشرنقة الزمان ولن نتحرر منها إلا إذا تم علاجنا الذهني والنفسي من خطل منطق الزمان الهلامي.
أنت ناج  مالم تقطع بجريرتك حبل الوصال بينك وبين أخيك الإنسان؛ فالقمر الذي ربما يعمى قلبك عنه له أطوار متعددة ولكن الحب والمظلمة ليس لهم أوجه وأطوار .
عش بالحب والسلام وارفع بيديك عن عينيك برقع الكراهية والإنانية فسيجمعنا جميعا التراب.
وكما أن صوت موتور الدراجة النارية يشوش على صوت المذياع عندما يحدث رنين بين موجتيهما فإنك أيضا لن تدرك جمال أنوار الله إلا إذا صار بين نفسك وبينها رنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى