من نوادر الشعراء.. عروة بن أذينة (6)

خالد رمضان | تربوي مصري – عُمان
شاعرنا اليوم أمويّ زاهد عابدٌ شاع له بيت شهير، حفظه القاصي والداني، يقول فيه:
ولقد علمتُ وما الإسرافُ من خلقي
أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
والبيت يحمل معنى كفالة الله سبحانه وتعالى لرزق العبد، وأن رزقك سوف يأيتك حيثما كنت، فلا تَجهد نفسك سعيا وراءه.
زار عروة بن أذينة بلاد الشام، ونزل على الخليفة هشام بن عبد الملك، فحياه، وبياه، ورد عليه الخليفة السلام، ثم بادره الخليفة قائلا: يا عروة ألست القائلَ ؟
ولقد علمتُ وما الإسرافُ من خلقي
أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
فقال عروة: بلى يا أمير المؤمنين
قال الخليفة: إذن فَلمَ تركتَ المدينة وجئتَ إلى الشام لطلب الرزق؟
هلاّ مكثت مكانك حتى يأتيك رزقك؟
فأطرق عروة خجلا، ثم رفع رأسه قائلا:
رحم الله الخليفة، لقد ذكّرني شيئا أنسانيه الدهر، ثم ودّع الخليفة راجعا إلى حيث أتى.
فلمّا جنّ الليل فكّر الخليفة في فعلته هذه، فلام نفسه، إذ كيف يسئ استقبال ضيفه الذي جاءه من أقصى البلاد راغبا في كرمه وعفوه؟
ظل الخليفة مؤرّقا معذبا، فلما أصبح الصباح نادى الخليفة أحد رجاله، وأعطاه ألف دينار، وأمره أن يلحق بعروةَ قبل أن يدخل داره.
هرول الرجل طالبا عروة، حتى أدركه على باب داره، فأعطاه الألف دينار، وقال له:
أمير المؤمنين يقرئك السلام.
أمسك عروةُ الكيس بيديه، ونظر إليه، ثم رفع رأسه وقال للرجل:
أخبر أمير المؤمنين مني السلام، وقل له:
عروة يقول لك يا أمير المؤمنين:
ولقد علمتُ وما الإسرافُ من خلقي
أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
وفي هذا المشهد ما فيه من الإبداع، وحسن التوكل على الله، وكيف لهذا الشاعر أن ترقى ثقته في ربه إلى أعلى المراتب والدرجات؟
ومن عجيب الأمر أن الله تعالى لم يخذله، وما أجمل ما فعله الخليفة، من تأنيب الضمير، ولوم النفس، ثم إصلاح ما ندم عليه.
حقا، إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى