الأُميّة الأبجدية والأميّات الحضارية

أ.م.د. محمد الواضح| أكاديمي من العراق

       تُعلي بعض التصورات الثقافية مفهوم الأميَّةإلى أبعد من المفهوم الأولي الموصوف بالفقر الأبجدي العدمي الذي بسبب تراجع مكافحته، تُحرم الأفراد أو الجماعات حق التعلم للقراءة والكتابة.


     إن التصورات العليا لمفهوم (الأمية) -حضاريا- باتت تنشد إحراز قيم عالية من التعلم الطموح والهادف، وتسعى إلى ترميم الذات المتعلمة بمهارات متقدمة قد تكون لغوية أو تكنلوجية أو تنموية متقدمة
    بمعنى أن العالم بات يُرقّي مفهوم الأميّة سلما آخر من الحث على التعلم المتقدم واستثارة القدرات الكامنة في خلد المرء، وثمة فرق بين الحثّ والمكافحة، فالأول مفهوم يتجاوز معنى الدونية للأمية، المنتمي للجهل أو الفقر الأبجدي، ويطور سبل المعالجات التعليمية إلى المستويات المثالية المنشودة أوما يقرب منها، فـ(الأميات الحضارية) مصطلح مركب يمثل في مضمونه استفزازا مثيرا للذات التطويرية والدفع بها نحو التنوع والتغاير المعرفي والثقافي، وإثرائها بكلّ ماهو متقدم،غير أن هذا الطموح قد يصطدم بإحصاءات صادمة لأعداد الأميين الأبجديين.

     ويجهض أو يجعل مساعي هذا التطور في مفهوم الأمية الحضارية متراجعاأو بطيئا أو غير متفاعل في الحد الأدنى من مستوياته.
(٧٧١) مليون شخص أمي في جميع أنحاء العالم،ومعظمهم من النساء.بحسب مارصدته منظمة اليونسكو.
  رقم مهول يصوّر لك وجود جماعات بشرية في مختلف العالم عاطلة عن التواصل الإنساني الواعي، والمتقدم والمنتج الذي يرقى بمجتمعاتهم.

    رقم يرسم لك صورة لعالم شفاهي بلا قراطيس ولادواة. بلا قراءة ولا انتاج للقراءة، صورة أخرى من العمى، سمّه العمى القلبي يحتاج إلى جهود كبيرة تحمل مشعل نور يضيء البصيرة.
وفي زاوية الرصد الأممي إشارة تستدعي وقفة تأملية لما نالته المرأة من نسب الأمية العالية.


    فغياب تمكين النساء من التعلم هو الصورة الأخرى للخمول والتكاسل المجتمعي بأعلى مضامينه، ولست بصدد تكرار المكرور من الأسباب وراء تأخرها العلمي (فالنزاعات والحروب والعنف والرجعية البيئية، وغياب أدوات المحو الجادة لمكافحة الأمية…) وغيرها أسباب قد تكون مساهمة في تضاعف نسب أمية النساء في العالم.
     وفي العراق أخذت الحروب وظروف التهجير والفقر والمرض ونحوها مأخذها، وحرمت أو قللت حظوظ المرأة من التعلم بنسب متفاوتة، ومهما يكن من شيء لابد أن تتعالى صوت المعالجة والمحو لآفة الأمية ويحظى المتضررون من هذه المشكلة بالحلول، لاسيما المرأة تلك التي تعد البوصلة الأولى أوالمهد الصفري للتعلم
وقديما قالوا:
إذا النساء نشأن في أمية
رضع الرجال جهالة وخمولا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى