الخيال الذكي
أ.د. محمد سعيد حسب النبي
أكاديمي مصري
قرأت قصة عن شاب كان يطمح في أن يكون طبيباً، إلا أن فقره الشديد منعه من الالتحاق بكلية الطب، وكان يعيل نفسه بالعمل في تنظيف عيادات الأطباء في مبنى ملحق بالمستشفى العام.
وكان هذا الشاب في كل ليلة عندما يذهب للنوم يتخيل نفسه وقد حصل على شهادة دبلوم الطب، وأنها معلقة أمامه على الحائط ومكتوب عليها اسمه بخط كبير.
ولقد داوم هذا الشاب على استخدام طريقة التخيل كل ليلة ولشهور عدة، وفي يوم من الأيام سأله أحد الأطباء الذين كان ينظف عياداتهم ما إذا كان يرغب في أن يكون مساعداً له، وبالفعل بدأ هذا الطبيب بدفع مصروفات الشاب لحضور برنامج تدريبي طبي تعلم فيه الكثير من المهارات الطبية، ثم قام الطبيب بتعيينه مساعداً له، وقد أعجب الطبيب بذكاء هذا الشاب ومهاراته ومثابرته، فساعده على الالتحاق بكلية الطب وأشرف عليه في دراسته إلى أن صار هذا الشاب من ألمع الأطباء في مدينة “مونتريال” بكندا.
لقد نجح هذا الشاب بتخيله النتيجة، فتولدت لديه العزيمة والإرادة على تحقيقها، كما أنه استشعر واقعية أن يكون طبيباً، وتعايش مع هذه الفكرة وأحبها فأمدها بأسباب الحياة، لتصير الفكرة بذلك إيماناً راسخاً يجذب عوامل تحقيق النجاح، كالبذور التي تغرس في الأرض؛ فإنها تجذب إليها كل شيء تحتاجه للبقاء والنمو والحياة.
ويذكرني ذلك بالشاعر الألماني “جوته” والذي اعتاد على توظيف خياله بذكاء عندما تواجهه مشكلة أو مأزق، ولقد ذكرت سيرته الذاتية أنه كان معتاداً على إجراء محادثات في خياله لساعات وهو جالس في هدوء، وكان معروفاً عنه أنه يتخيل أحد أصدقائه يجلس أمامه على مقعد ويجيب عنه بالطريقة الصحيحة ويقدم له النصائح اللازمة، وهذا التخيل يظهر عندما يواجه أزمة مؤرقة، وكان يجعل المشهد الخيالي بأكمله حقيقياً بقدر الإمكان.
ومن هنا نلحظ دور الخيال في تحقيق النجاح، والخيال الذكي يكمن في أنه لا يقف عند حد التخيل فقط، ولكن يستتبع ذلك حب ما يسعى الخيال إلى تحقيقه وتحمسه له، والتخيل والحب والتحمس عناصر مهمة يتلوها الاهتمام والاجتهاد والتفوق الذي يجعل الإنسان يبحث عن الجديد والمفيد وبما يضمن تعزيز مقومات الحياة وخدمة الإنسانية والإنسان.
إن الخيال الذكي يعكس رغبة حقيقية في تجاوز حد النجاح الذاتي إلى نجاح أكبر وأشمل ينعكس أثره على دائرة أوسع من البشر لإضفاء السعادة عليهم، وبذلك تكون الدوافع أكثر نبلاً وعظمة وإيثاراً.
إن الخيال الذكي يولد اعتقاداً راسخاً وإيماناً قوياً لتحقيق النجاح، والذي يصل في كثير من الأحيان لصنع المعجزات.